وما أحراه بالسعى فى أن لا يرتفع عنه ما يطول عليه ندمه من قول الزور والخوض فى الباطل، وأن يجاهد نفسه فى ذلك ويستعين بالله ويستعيذ من شر لسانه، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) يعنى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر الإيمان التام فإنه ستبعثه قوة إيمانه على محاسبة نفسه فى الدنيا والصمت عما يعود عليه ندامةً يوم القيامة، وكان الحسن يقول: ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل يحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل يذمك. وقال عمر بن عبد العزيز لرباح بن عبيد: بلغنى أن الرجل ليظلم بالمظلمة، فما زال المظلوم يشتم ظالمه حتى يستوفى حقه ويفضل للظالم عليه. وروى أسد عن الحسن البصرى قال: لا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب أحدًا بعيب هو فيه، وحتى يبتدئ بصلاح ذلك العيب من نفسه، فإنه إن فعل ذلك لم يصلح عيبًا إلا وجد فى نفسه عيبًا آخر، فينبغى له أن يصلحه، فإذا كان المرء كذلك شغله فى خاصته واجبًا، وأحب العباد إلى الله من كان كذلك. وقوله:(من ضمن لى ما بين لحييه) يعنى لسانه فلم يتكلم بما يكتبه عليه صاحب الشمال (وما بين رجليه) يعنى فرجه فلم يستعمله فيما لا يحل له (ضمنت له الجنة) . ودل بهذا الحديث أن أعظم البلاء على العبد فى الدنيا اللسان والفرج، فمن وقى شرهما فقد وقى أعظم الشر، ألا ترى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالاً يزل بها فى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) . وقال أهل العلم: هى الكلمة عند السلطان بالبغي والسعي على