بلساني سبعين مرةً، وذلك لأن ملكًا لا يكتبها، وبشرًا لا يسمعها) والصواب فى ذلك ما صح به الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنة) والهم بالحسنة إنما هو فعل العبد بقلبه دون سائر الجوارح، كذكر الله بقلبه، فالمعنى الذى به يصل الملكان الموكلان بالعبد إلى علم ما يهم به بقلبه؛ هو المعنى الذى به يصل إلى علم ذكر ربه بقلبه، ويجوز أن يكون جعل الله لهما إلى علم ذلك سبيلاً كما جعل لكثير من أنبيائه السبيل إلى كثير من علم الغيب، وقد أخبر الله عن عيسى ابن مريم أنه قال لبنى إسرائيل:(وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ)[آل عمران: ٤٩] ، وقد أخبر نبينا (صلى الله عليه وسلم) بكثير من علم الغيب، قالوا: فغير مستنكر أن يكون الكاتبان الموكلان بابن آدم، قد جعل لهما سبيلاً إلى علم ما فى قلوب بنى آدم من خير أو شرٍّ، فيكتبانه إذا حدث به نفسه أو عزم عليه. وقد قيل: إن ذلك بريح يظهر لهما من القلب، سئل أبو معشر عن الرجل يذكر الله بقلبه، كيف يكتب الملك؟ قال: يجد الريح. وسأذكر اختلاف السلف فى أى الذكرين أعظم ثوابًا الذكر الذى هو بالقلب أو الذكر الذى هو باللسان عند قوله (صلى الله عليه وسلم) عن الله تعالى: (وإن ذكرنى عبدى فى نفسه ذكرته فى نفسى) فى باب قوله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)[آل عمران: ٢٨] فى كتاب الاعتصام.