هذه السور الطوال وما هو دونها، وهذا يقتضى أن أبا بكر كان حافظًا للقرآن، وقد صح الخبر أنه بنى مسجدًا بفناء داره بمكة قبل الهجرة، وأنه كان يقوم فيه بالقرآن ويكثر بكاؤه ونشيجه عند قراءته فتقف عليه نساء المشركين وولدانهم يسمعون قراءته، لولا علم النبى (صلى الله عليه وسلم) بذلك من أمره لم يقدمه لإمامة المسلمين مع قوله: يؤم القوم أقرؤهم. وكذلك تظاهرت الروايات عن عمر أنه كان يؤم الناس بالسور الطوال، وقد أمهم بسورة يوسف فى الصبح فبلغ إلى قوله:(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف: ٨٤] ، فنشج حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف. وقرأ مرة سورة الحج فسجد فيها سجدتين. وروى عبد الملك بن عمير عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود قال: كان عمر أعلمنا بالله وأقرأنا لكتاب الله وأفقهنا فى دين الله، ولولا أن هذه كانت حالته، وأنه من أقرأ الناس لكتاب الله لم يكن أبو بكر الصديق بالذى يضم إليه زيد بن ثابت، ويأمرهما بجمع القرآن واعتراض ما عند الناس، ويجعل زيدًا تبعًا له؛ لأنه لا يجوز أن ينصب لجمع القرآن واعتراضه من ليس بحافظ. وأما عثمان فقد اشتهر أنه كان ممن جمع القرآن على عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) وأنه كان من أهل القيام به، وقد قال حين أرادوا قتله فضربوه بالسيف على يده فمدها وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل، وقالت نائلة زوجته: إن نقتلوه فإنه كان يحيى الليل بجميع القرآن فى ركعة. وكذلك على بن أبى طالب، قد عرفت حاله فى فضله وثاقب فهمه، وسعة علمه ومشاورة الصحابة له، وإقرارهم لفضله وتربية النبي له