للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: فإن قال قائل: ما معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : لهى أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس؟ أكان النبى يحب الدنيا الحب الذى يقارب حبه، ما أخبره الله به أنه أعطاه من الكرامة، وشرفه به من الفضيلة بقوله: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) [الفتح: ١] الآية، وقد علمت أن المخبر إنما أراد المبالغة فى الخبر عن رفعة قدر النبى عنده على غيره أنه يجمع بين رفيعين من الأشياء عنده، وعن المخبرين به فيخبرهم عن فضل مكان أحدهما على الآخر عنده، وقد علمت أن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يكن للدنيا عنده من القدر ما يعدك أدنى كرامة أكرمه الله تعالى بها فما وجه قوله: هى أحب إلىّ من الدنيا مع خساسة قدر الدنيا عنده وضعة منزلتها. قيل: لذلك وجهان أحدهما: أن يكون معنى قوله: هى أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس، هى أحب إلىّ من كل شىء؛ لأنه لا شىء إلا الدنيا والآخرة، فأخرج الخبر عن ذكر الشىء بذكر الدنيا؛ إذ كان لا شىء سواها إلا الآخرة. والوجه الثانى: أن يكون خاطب أصحابه بذلك، على ما قد جرى من استعمال الناس بينهم فى مخاطبتهم، من قولهم إذا أراد أحدهم الخبر عن نهاية محبته للشئ: هو أحب إلىّ من الدنيا، وما أعدل به من الدنيا شيئًا، كما قال تعالى: (كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ) [العلق: ١٥] ، ومعنى ذلك: لنهيننه ولنذلنه؛ لأن الذين خوطبوا هذا الخطاب كان فى إذلالهم من أرادوا إذلاله

<<  <  ج: ص:  >  >>