وفي حديث آخر لما قرأ:(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللهِ)[يوسف: ٨٦] ، بكى حتى سمع نشيجه من وراء الصفوف. وعن ابن المبارك، عن مسعر، عن عبد الأعلى التيمى قال: من أوتى من العلم ما لا يبكيه، فليس بخليق أن يكون أوتى علمًا ينفعه؛ لأن الله تعالى نعت العلماء فقال:(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا)[الإسراء: ١٠٧] الآيتين. وقرأ عبد الرحمن بن أبى ليلى سورة مريم؛ فلما انتهى إلى قوله:(خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)[مريم: ٥٨] ، فسجد بها، فلما رفع رأسه قال: هذه السجدة فأين البكاء؟ وكره السلف الصعق والغشى عند قراءة القرآن. ذكر أبو عبيد بإسناده عن أبى حازم قال: مر ابن عمر برجل من أهل العراق ساقط والناس حوله، فقال: ما هذا؟ فقالوا: إذا قرئ عليه القرآن أو سمع الله يذكر خر من خشية الله، فقال ابن عمر: والله إنا لنخشى الله وما نسقط. وعن عكرمة قال: سئلت أسماء: هل كان أحد من السلف يغشى عليه من القراءة؟ فقالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون. وقال هشام بن حسان: سئلت عائشة عمن يصعق عند قراءة القرآن فقالت: القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله:(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)[الزمر: ٢٣] .