استعمال التحرى إذا كان له رأيان، أحدهما أغلب فى قلبه من الآخر عمل به ويجزئ ذلك، وإذا لم يكن له رأيان أحدهما أغلب عنده من الآخر، وجب البناء على الأقل على ما فى حديث أبى سعيد، فصار كل واحد من الحديثين له معنى غير معنى صاحبه، وهكذا تستعمل الأحاديث ولا تتضاد. وقال محمد بن جرير: إن حديث ابن مسعود فى التحرى، وحديث البناء على اليقين لا يخالف واحد منهما صاحبه، وذلك أن أمره عليه السلام بالبناء على اليقين، والأخذ بالاحتياط ليس فيه إعلام أنه من بنى على الأغلب عنده أنه قد صلى أنها لا تجزئه صلاته، فإن احتاط للشك، فبنى على اليقين فهو أفضل وأسلم لدينه، وإن بنى على أكثر رأيه متحريًا فى ذلك الأغلب عنده لم يكن مخطئًا فى فعله؛ لأن كل مصلٍ إنما كلف أن يعمل بما عنده من علمه، لا على إحاطة العلم بيقينه ذلك، فلو كلف اليقين من العلم دون الظاهر لم يكن لأحد صلاة إذ لا سبيل لأحد إلى يقين العلم بذلك. وذلك أن الله أمر عباده بالصلاة فى الثياب الطاهرة والتطهر بالمياه الطاهرة، ولا خلاف بين سلف الأمة وخلفها أنهم لم يكلفوا فى شىء من ذلك إحاطة العلم بيقينه، فكذلك عدد الصلاة إنما كلف فى ذلك العلم الذى هو عنده، فإن بنى على العلم الظاهر الذى هو عنده أجزأه، وإن أخذ بالاحتياط فبنى على اليقين، فهو أفضل له إذا كان له سبيل إلى الوصول إلى يقين ذلك، وإن لم يكن له سبيل إليه عمل على الأغلب من ظاهر علمه، وكذلك القول فى جميع أحكام الدين، ومن أبى شيئًا من ذلك سُئل عن المصلى فى موضع لا يعلمه طاهرًا ولا نجسًا إلا علمًا ظاهرًا، وعن من توضأ بماء لا يعلمه إلا