إدحاض حجة القدرية بهذه النصوص من كلام رسوله، فأخبر أنه قد فرغ من الحكم على كل نفس، وكتب القلم ما يصير إليه العبد من خير أو شر فى أم الكتاب، وجف مداده على المقدور من علم الله. فأضله الله على علم به، ومعرفة بما كان يصير إليه أمره لو أهمله ألا يسمعه قد بين ذلك فى كتابه حيث يقول:(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)[النجم: ٣٢] . فعرفنا أنه كان بنا عالمًا حين خلق آدم من طينة الأرض المختلفة وأحاط علمًا بما يقع من تلك الطينة لكل شخص من أشخاص ولده إلى يوم القيامة، المتناسلين من صلب إلى صلب فى أعداد لا يحيط بها إلا محيصها، وعلم ما قسمه من تلك الطينة من طيب أو خبيث، وعلم ما يعمل كل واحد من الطاعة والمعصية ليشاهد أعماله بنفسه، وكفى بنفسه شهيدًا عليه، وتشهد له عليه ملائكته وما عاينه من خلقه، فتنقطع حجته، وتحقق عقوبته ولذلك قال لأبى هريرة حين أراد أن يختصى خشية الزنا على نفسه:(قد جف القلم بما أنت لاق) . فاختص على ذلك أبو ذر، فعرفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم عليه من خير أو شر، فإنه لابد عامله ومكتسبه، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول الذى ظاهره التخيير، ومعنى النهى والتبكيت لمن أراد الهروب عن القدر والتعريف له أن إن فعل، فإنه أيضًا من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه.