هذا باب جليل فى الرد على القدرية، وذلك أن معنى لا حول ولا قوة إلا بالله: لا حول للعبد، ولا قوة له إلا بالله أى: بخلق الله له الحول والقوة، التى هى القدرة على فعله للطاعة والمعصية. قال المهلب: فأخبر (صلى الله عليه وسلم) أن البارئ خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره، وإذا كان خالقًا للقدرة، فلا شك أنه خالق للشىء المقدور، فيكون المقدور كسبًا للعبد خلقًا لله تعالى بدليل قوله تعالى:(خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ)[الأنعام: ١٠٢] ، وقوله تعالى:(إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر: ٤٩] ، وقال محمد بن كعب القرظى: نزلت هذه الآية يعنى الأخيرة تعبيرًا لأهل القدر. والدليل على أن أفعالهم خلق لله أن أيديهم التى هى عندهم خالقة لأعمال الشر من التعدى والظلم وفروجهم التى هى خالقة للزنا قد توجد عاطلة عن الأعمال، عاجزة عنها، ألا ترى أن من الناس من يريد الزنا وهو يشتهيه بعضو لا آفة فيه، فلا يقدر عليه عند إرادته للزنا، ولو كان العبد خالقًا لأعماله لما عجزت أعضاؤه عند إرادته ومستحكم شهوته؛ فثبت أن القدرة ليست لها، وأنها لمقدر يقدرها إذ شاء، ويعطلها إذا شاء، لا إله إلا هو. وإنما أمرهم (صلى الله عليه وسلم) بالربع على أنفسهم على جهة الرفق بهم، وقد بينا هذا المعنى فى باب: ما يكره من رفع الصوت بالتكبير فى كتاب الجهاد، وعرفهم أن ما يعلنون به من التكبير ويجتهدون فيه من الجهاد هو من فضل الله عليهم إذ لا حول لهم ولا قوة في شيء