إذ قد أعلمتني أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، فأهلكهم لعلمه أنهم لا يرجعون إلى الإيمان، وموافقة الترجمة للحديث هو قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) فأخبر أن الزنا ودواعيه كل ذلك مقدر على العبد غير خارج من سابق قدره. وقوله:(أدرك ذلك لا محالة) إدراكه له من أجل أن الله كتبه عليه، وإنما سمى النظر والمنطق ومنى النفس وشهوتها زنا لما كانت دواعى إلى الزنا، والسبب قد يسمى باسم المسبب مجازًا واتساعًا لما بينهما من التعلق، غير أن زنا العين وزنا اللسان وتمنى النفس غير مؤاخذ به من اجتنب الزنا بفرجه؛ لأنه كذب زنا جوارحه بترك الزنا بفرجه، فاستخف زنا عينه ولسانه وقلبه؛ لأن ذلك من اللمم الذى يغفر باجتناب الكبائر، وزنا الفرج من أكبر الكبائر، فمن فعله فقد صدق زنا عينه ولسانه وقلبه؛ فيؤاخذ بإثم ذلك كله. وفى قوله:(النفس تمنى وتشتهى) دليل على أن فعل العبد ما نهاه الله عنه، مع تقدم تقديره تعالى وسابق علمه بفعله له باختيار منه أو إيثار، وليس بمجبر عليه ولا مضطر إلى فعله، وعلى هذا علق الثواب والعقاب، فسقط قول جهم بالإجبار بنص قوله (صلى الله عليه وسلم) : (والنفس تمنى وتشتهى) لأن المجبر مكره مضطر، وهو بخلاف المتمنى والمشتهى، واللمم صغار الذنوب وهى مغفورة باجتناب الكبائر، وقد تقدم فى كتاب الأدب.