إلا أن يمنع من ذلك دليل، وهو قول ابن سريج وابن خيران من أصحاب الشافعى، وقال بعض أصحاب الشافعى: إنها على الندب وإن المتأسى به فيها مندوب إليه أن يقوم دليل على وجوبها، وقال كثير من أهل الحجاز والعراق وأصحاب الشافعى: إنها على الوقف إلا أن يقوم دليل على كونها ندبًا أو إباحة أو محظورة. قال أبو بكر بن الطيب: وبهذا نقول. واحتج لذلك بأنه لما كانت القربة الواقعة محتملة لكونها فرضًا ونفلاً لم يجز أن يكون الفعل منه دليلاً على أننا متعبدون مثله، ولا على كونه واجبًا علينا دون كونه نفلاً؛ لأن فعله مقصور عليه دون متعدٍ إلى غيره، وأمره لنا ونهيه متعديان إلى الغير والغرض فيهما امتثالهما فافترقا. وحجة من قال: إنها على الوجوب. أن النبى (صلى الله عليه وسلم) خلع خاتمه، فخلعوا خواتيمهم وأنه خلع نعليه فى الصلاة، فخلعوا نعالهم، وأنه أمرهم عام الحديبية بالتحلل فوقفوا، فشكا ذلك إلى أم سلمة فقالت له: اخرج إليهم واذبح واحلق. ففعل ذلك، فذبحوا وحلقوا اتباعًا لفعله، فعلم أن الفعل أكد عندهم من القول، وقال لأم سلمة حين سألتها المرأة عن القبلة للصائم:(ألا أخبرتيها أنى أقبّل وأنا صائم) . وقال للرجل مثل ذلك، فقال: إنك لست مثلنا. فقال:(إنى لأرجو أن أكون أتقاكم لله) . فدل هذا على أن الأسوة واقعة إلا ما منع منه الدليل، ويدل على ذلك أنه لما نهاهم عن الوصال قالوا: إنك تواصل. قال:(إنى لست مثلكم، إنى أطعم وأسقى) . فلولا أن لهم الاقتداء به لقال لهم: وما فى مواصلتى ما يبيح لكم فعل ذلك،