للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصوص؛ إذ قد علم أن الله تعالى لابد أن يكمل له الدين. والقياس: هو تشبيه ما لا حكم فيه بما حكم فى المعنى فشبه (صلى الله عليه وسلم) الحمر بالخيل، فقال: ما أنزل على فيها شىء غير هذه الآية الفاذة الجامعة: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: ٧، ٨] ، وشبه دين الله بدين العباد فى اللزوم، وقال للتى أخبرته أن أباها لم يحج: (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ فالله أحق بالقضاء) وهذا هو نفس القياس عند العرب، وعند العلماء بمعانى الكلام. وأما سكوت النبى حتى نزل عليه الوحى، فإنما سكت فى أشياء معضلة ليست لها أصول فى الشريعة فلابد فيها من إطلاع الوحى، ونحن الآن قد فرغت لنا الشرائع واكتمل لنا الدين، وإنما ننظر ونقيس على موضاعاتها فيما أعضل من النوازل. وقد اختلف العلماء: هل يجوز للأنبياء الاجتهاد؟ فقالت طائفة: لا يجوز لهم ذلك ولا يحكمون إلا بوحى منه. وقال آخرون: يجوز أن يحكموا بما يجرى مجرى من منام وشبهه. قال أبو التمام المالكى: ولا أعلم فيه نصًا لمالك، والأشبه عندى جوازه لوجود ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . والاجتهاد علو درجة وكمال فضيلة والأنبياء أحق الناس به؛ بل لا يجوز أن يمتنعوا منها لما فيها من جزيل الثواب، وقال تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَبْصَارِ) [الحشر: ٢] ، والأنبياء أفضل أولى الأبصار وأعلمهم، وقد ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه اجتهد فى أمر الحروب وتنفيذ الجيوش، وقدر الإعطاء للمؤلفة قلوبهم وأمر بنصب العريش يوم بدر فى موضع، فقال له الحباب بن المنذر: أبوحى نصبته هنا أم برأيك؟ فقال: بل برأيى. قال: الصواب نصبه بموضع

<<  <  ج: ص:  >  >>