فأخرج كلامه مخرج الشك مع كونه غير شاك فى أنها ليست بأم سالم، وكذلك خرج كلامه (صلى الله عليه وسلم) مخرج الشك لطفًا منه بعمر فى صرفه عن عزمه على قتله، وقد ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهرى، عن سالم، عن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد يومًا ومعه رجل من اليهود، فإذا عينه قد طفت وهى خارجة مثل عين الجمل، فلما رأيتها قلت: أنشدك الله يا ابن صياد، متى طفت عينك؟ قال: لا أدرى والرحم. فقلت: كذبت، لا تدرى وهى فى رأسك؟ قال: فمسحها ونخر ثلاثًا فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره وقلت له: أخسأ فلن تعدو قدرك، فذكرت ذلك لحفصة فقالت: اجتنب هذا الرجل، فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها. فإن قيل: هذا كله يدل على الشك فى أمره. قيل: إن وقع الشك فى أنه الدجال الذى يقتله عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) ، فلم يقع الشك فى أنه أحد الدجالين الذين أنذر بهم النبي (صلى الله عليه وسلم) من قوله: (إن بين يدى الساعة دجالين كذابين أزيد من ثلاثين) فلذلك لم ينكر على عمر يمينه والله أعلم؛ لأن الصحابة قد اختلفوا فى مسائل: فمنهم من أنكر على مخالفة قوله، ومنهم من سكت عن إنكار ما خالف اجتهاده ومذهبه، فلم يكن سكوت من سكت رضا بقول مخالفه، إذ قد يجوز أن يكون الساكت لم يبين له وجه الصواب فى المسألة وأخرها إلى وقت آخر ينظر فيها، وقد يجوز أن يكون سكوته ليبين خلافها فى وقت آخر إذا كان ذلك أصلح فى المسألة. فإن اعترض أن سكوت البكر حجة عليها.