تعالى عليه بأن خلقه بما يوجب عليه السجود معنى؛ إذ إبليس مشارك لآدم فيما خلقه به تعالى من قدرته، ولم يعجز إبليس بأن يقول له: أى رب، وأى فضل له علىّ وأنا خلقتنى بقدرتك كما خلقته؟ ولم يعدل إبليس عن هذا الجواب إلى أن يقول: أنا خير منه؛ لأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين، فعدول إبليس عن هذا الاحتجاج مع وضوحه دليل على أن آدم خصه الله تعالى من خلقه بيديه بما لم يخص به إبليس. وكيف يسوغ للقدرية القول بأن اليد هنا القدرة مع نفيهم للقدرة؟ وظاهر الآية مع هذا يقتضى يدين، فينبغى على الظاهر إثبات قدرتين، وذلك خلاف لأمة. ولا يجوز أن يكون المراد باليدين نعمتين لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله؛ لأن النعم مخلوقة كلها وإذا استحال كونهما جارحتين، وكونهما نعمتين، وكونهما قدرتين ثبت أنهما يدان صفتان لا كالأيدى والجوارح المعروفة عندنا، اختص آدم بأن خلقه بهما من بين سائر خلقه تكريمًا له وتشريفًا. وفى هذا الحديث دليل على إثبات شفاعة النبى (صلى الله عليه وسلم) لأهل الكبائر من أمته خلافًا لقول من أنكرها من المعتزلة والقدرية والخوارج، وهذا الحديث فى غاية الصحة والقوة تلقاه المسلمون بالقبول إلى أن حدث أهل العناد والرد لسنن الرسول، وفى كتاب الله تعالى ما يدل على صحة الشفاعة قوله تعالى إخبارًا عن الكفار؛ إذ قيل لهم:(مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)[المدثر: ٤٢ - ٤٧] ، فأخبروا عن أنفسهم بالعلل التى من أجلها سلكوا فى سقر، ثم قال تعالى:(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[المدثر: ٤٨]