للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرضه فى هذا الباب أن يعرفك أن السموات والأرض وما بينهما كل ذلك مخلوق دلائل الحدث بها من الآيات المشاهدات، من انتظام الحكمة واتصال المعيشة للخلق فيهما، وقام برهان العقل على ألا خالق غير الله وبطل قول من يقول: إن الطبائع خالقة العالم، وأن الأفلاك السبعة هى الفاعلة، وأن النور والظلمة خالقان، وقول من زعم أن العرش هو الخالق. وفسدت جميع هذه الأقوال لقيام الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره إلى محدث لاستحالة وجود محدث لا محدث له، كاستحالة وجود مضروب لا ضارب له، وكتاب الله شاهد بصحة هذا، وهو قوله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر: ٣] ، فنفى خالقًا سواه، وقال تعالى: (أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) [الرعد: ١٦] ، وقال عقيب ذلك: (فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الرعد: ١٦] ، ثم قال لنبيه: (قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: ١٦] ، ودلّ على ذلك أيضًا بقوله تعالى: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِى الألْبَابِ) [آل عمران: ١٩٠] . فاستدل بآيات السموات والأرض على قدرة الله ووحدانيته فوجب أن يكون الخلاق العليم بجميع صفاته من الخلق والأمر والفعل والسمع والبصر والتكوين للمخلوقات كلها خالقًا غير مخلوق الذات والصفات، وأن القرآن صفة له غير مخلوق، ووجب أن يكون الخالق مخالفًا لسائر المخلوقات، ووجه خلافه لها انتفاء قيام الحوادث عنه الدالة على حدث من تقوم به، ولزم أن يكون ما سواه من مخلوقاته التى كانت عن قوله وأمره وفعله وتكوينه مخلوقات له، هذا موجب العقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>