نفسه أو فى غيره، أو لا فى نفسه ولا فى غيره، وهذا الذى ذهبوا إليه، فيستحيل إحداثه لها فى نفسه؛ لأنه لو أحدثها فى نفسه لم يخل منها ومن ضدها على سبيل التعاقب، ولا يجوز تعاقب الحوادث على الله تعالى لقيام الدليل على قدمه قبلها، ويستحيل أن يحدثها فى غيره؛ لأنه لو أحدثها فى غيره لوجب أن يكون ذلك الغير مريدًا بها دونه، فبطل كونه مريدًا بإرادة أحدثها فى غيره كما يبطل كونه عالمًا بعلم يحدثه فيه، أو قادرًا بقدرة يحدثها فيه؛ لأن قياس ذلك كله واحد، ومن شرط المريد وحقيقته أن تكون الإرادة موجودةً فيه دون من سواه، ويستحيل إحداثه لها إلا فى نفسه ولا فى غيره؛ لأن ذلك يوجب قيامها بنفسها واحتمالها للصفات وأضدادها، ولو صح ذلك لم تكن إرادته له أولى أن تكون لغيره، وإذا فسدت هذه الأقسام الثلاث وجب أن الإرادة قديمةً قائمةً به تعالى لأجل قيامها به وصح كونه مريدًا، ووجب تعلقها بكل ما يصحّ كونه مرادًا له، وهذه المسألة مبنية على صحة القول بكونه تعالى خالقًا لأفعال العباد، وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء، وقد دلّ الله على ذلك بقوله تعالى:(وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ)[الإنسان: ٣٠] ، وما تلاه من الآيات، وبقوله: (وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (فنصّ الله تعالى على أنه لو شاء أن لا يقتتلوا لما اقتتلوا، فدل أنه تعالى شاء ما شاءوه من اقتتالهم، وأنه لو لم يشأ اقتتالهم لم يشاءوه ولا كان موجودًا، ثم أكد ذلك بقوله: (وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (يدل أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه شائيًا له، وإذا كان شائيًا