أنه لم يزل عالمًا بما سيكون قبل كونه، خلافًا لمن يقول: لا يعلم الأشياء قبل كونها، ووجه مشاكلة حديث ابن عباس للترجمة، هو أن الذى يتنزل به جبريل هو كلام الله ووحيه، وكذلك قوله فى حديث ابن مسعود) قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى) [الإسراء: ٨٥] يريد أن الروح خلق من خلقه تعالى، خلقه بقوله: كن وكن: كلامه الذى هو أمره الذى لم يزل ولا يزال. وقوله:(وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء: ٨٥] فيه دليل على أنه لا تبلغ حقيقة العلم بالمخلوقات فضلا عن العلم بالخالق سبحانه، وأن من العلم ما يلزم التسليم فيه لله تعالى ويجب الإيمان بمشكله، وأن الراسخين فى العلم لا يعلمون تأويل المتشابه كما يزعم المتكلمون، إذ قد أعلمنا الله أن السؤال عن الروح ابتغاء ما لم يؤته من العلم، مع أنه وصف قلوب المتبعين ما تشابه منه بالزيغ وابتغاء الفتنة، ووصف الراسخين فى العلم بالإيمان به، وأن كله من عند ربهم، مستعيذين من الزيغ الذى وسم الله به من اتبع تأويل المتشابه منه، داعين إلى الله لا يزيغ قلوبهم بابتغاء تأويله، بعد إذ هداهم إلى الإيمان به. وأما قوله:(كتب عنده: إن رحمتى سبقت غضبى) فهو والله أعلم كتابه فى أم الكتاب الذى قضى به وخطه القلم، فكان من رحمته تلك أن ابتدأ خلقه بالنعمة بإخراجهم من العدم إلى الوجود،