للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرضه في هذا الباب الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق، وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق، وأجاز وصفه بالحدث، اعتمادًا على قوله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [الأنبياء: ٢] ، وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظاهر، وهو خطأ فى القول؛ لأن الذكر الموصوف فى الآية بالإحداث، ليس هو نفس كلامه تعالى؛ لقيام الدليل على أن محدثًا، ومخلوقًا، ومنشئًا، ومخترعًا: ألفاظ مترادفة على معنى واحد. فإذا لم يجز وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق، لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان ذلك كذلك كان الذكر الموصوف فى الآية بأنه محدث راجعًا إلى أنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه قد سماه الله تعالى فى آية أخرى ذكرًا، فقال تعالى: (قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولاً) [الطلاق: ١٠، ١١] ، فسماه ذكرًا فى هذه الآية، فيكون المعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم، بمعنى: ما يأتيهم رسول. ويحتمل أن يكون الذكر فى الآية هو وعظ الرسول، وتحذيره إياهم من معاصى الله، فسمى وعظه ذكرًا، وأضافه إليه، إذ هو فاعل له، ومقدر رسوله على اكتسابه. وقال بعض المتكلمين فى هذه الآية: يحتمل أن يرجع الإحداث إلى الإتيان، لا إلى الذكر القديم؛ لأن نزول القرآن على النبى كان شيئًا بعد شىء، فكان يحدث نزوله حينًا بعد حين، ألا ترى أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل، فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم، ولم يكن إحداثه عند المتعلم إحداث عين العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>