وإنما تأولنا الحديث على هذا المعنى؛ لأنه لا يجوز على القرآن وهو كلام الخالق أن يزينه صوت مخلوق. وقال شعبة: نهانى أيوب أن أحدث بهذا الحديث. وهكذا رواه سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (زينوا أصواتكم بالقرآن) والمعنى: أشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوا شعارًا. ولم يرد تطريب الصوت به والتزيين له، إذ ليس ذلك فى وسع كل أحد، لعل من الناس من يريد التزيين له، فيفضى ذلك به إلى التهجين، وهذا معنى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) إنما هو أن يلهج بتلاوته كما يلهج الناس بالغناء والطرب عليه. وهكذا فسره أبو سعيد بن الأعرابى، سأله عنه إبراهيم ابن فراس فقال: كانت العرب تتغنى بالركبانى، وهو النشيد بالتمطيط والمد، إذا ركبت الإبل، وإذا جلست فى الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبى أن يكون القرآن هجيرهم، مكان التغنى بالركبانى. قال المؤلف: والقول الأول هو الذى عليه الفقهاء، وعليه تدل الآثار، وما اعتل به الخطابى من أن كلام الله لا يجوز أن يزينه صوت مخلوق، فقد نقضه بقوله:(وليس التزيين فى وسع كل أحد، لعل من الناس من يريد التزيين فيقع فى التهجين) فقد نفى عنه التزيين وأثبت له التهجين، وهذا خلف من القول.