(مر عمر فى المسجد وحسان ينشد، فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبى هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت النبى يقول: أجب عنى اللهم أيده بروح القدس؟ قال: نعم) ، يدل هذا أن قول الرسول لحسان:(أجب عن رسول الله) ، كان فى المسجد، وأنه أنشد فيه ما جاوب به المشركين. واختلف العلماء فى إنشاد الشعر فى المسجد، فأجازته طائفة إذا كان الشعر مما لا بأس بروايته، قال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون، ومحمد بن سلام ينشدان فيه الشعر ويذكران أيام العرب وقد كان اليربوع، والضحاك بن عثمان ينشدان مالكًا ويحدثانه بأخبار العرب، فيصغى إليهما، وخالفهم فى ذلك آخرون، فكرهوا إنشاد الشعر فى المسجد، واحتجوا بما رواه الليث، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:(أن الرسول كره أن ينشد الشعر فى المسجد، وأن تباع فيه السلع، وأن يتحلق فيه قبل الصلاة) . قال الطحاوى: وحجة أهل المقالة الأولى ما ذكره البخارى فى بدء الخلق، أن عمر مر فى المسجد وحسان ينشد فيه، فزجره، فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، وكان ذلك بحضرة أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فلم ينكره أحد منهم ولا أنكره عمر أيضًا، فكأن الشعر الذى نهى عن إنشاده فى المسجد: الشعر الذى فيه الخنا والزور، ويجوز أن يكون الشعر الذى يغلب على المسجد حتى يكون كل من فى المسجد متشاغلاً به، كما تأول أبو عبيد فى قوله عليه السلام:(لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يَرِيَهُ، خير له من أن يمتلئ شعرًا) ، أنه الذى يغلب على صاحبه.