وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى:(يا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ) ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: قُمْ فَاقْضِهِ) . قال بعض الناس: أما إنكار عمر رفع الصوت فى المسجد، فيدل أنهم رفعوا أصواتهم فيما لا يحتاجون إليه من اللغط الذى لا يجوز فى المسجد، ولذلك بنى عمر البطحاء خارج المسجد؛ لينزهه عن الخنا والرفث، فسألهم إن كانوا من أهل البلد ممن تقدم العلم إليهم بإنكار رفع الصوت فى اللغط فيه، فلما أخبراه أنهما من غير البلد عذرهما بالجهل. وأما ارتفاع صوت كعب وابن أبى حدرد فى المسجد، فلما كان على طلب حقٍ واجبٍ، لم يغير الرسول ذلك عليهم، ولو كان لا يجوز رفع الصوت فيه فى حق ولا غيره لما ترك النبى، عليه السلام، بيان ذلك إذ هو مُعَلِّم، وقد فرض الله، تعالى، عليه ذلك. وأما مذاهب العلماء فى ذلك، فذهب مالك وطائفة أنه لا يرفع الصوت فى المسجد فى العلم ولا غيره، قال مالك: ولقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على بعض من يكون ذلك محله، وما للعلم ترفع فيه الأصوات، إنى لأكره ذلك، ولا أرى فيه خيرًا رواه ابن عبد الحكم عنه، وقال محمد بن مسلمة فى المبسوط: لا بأس برفع الصوت فى المسجد فى الخبر يخبرونه والخصومة تكون بينهم، ولا بأس بالأحداث التى تكون بين الناس فيه من الشىء يعطونه، وما يحتاجون إليه؛ لأن المسجد مجتمع للناس فلابد لهم مما يحتاجون إليه من ذلك، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه رفع الصوت فى المسجد.