عباس قد قال بعد رسول الله: إن الحمار والكلب لا يقطعان الصلاة، فدل أن ما رواه عنه صهيب كان متأخرًا عما رواه عنه عكرمة، وأنه ناسخ له؛ لأنه لا يجوز أن يفتى بخلاف ما رواه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا بعد ثبوت نسخه عنده، وبقى فى حديث أبى ذر أنه فصل بين الكلب الأسود وغيره، فجعل الأسود خاصة يقطع الصلاة، وأن الرسول بين معنى ذلك بأنه شيطان. قال الطحاوى: فأردنا أن ننظر هل عارض ذلك شىء؟ فإذا أبو سعيد قد روى عن الرسول أنه قال فى المار بين يدى المصلى:(فليدرأهُ ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) ، وروى ابن عمر مثله، ففى هذا الحديث أن كل مارٍّ بين يدى المصلى شيطان، وقد سوى فى هذا بين بنى آدم والكلب الأسود فى المرور، وقد أجمعوا على أن مرور بنى آدم بعضهم ببعض لا يقطع الصلاة، روى ذلك عن الرسول من غير وجه من حديث عائشة وأم سلمة، وميمونة أنه عليه السلام كان يصلى وكل واحدة منهن معترضة بينه وبين القبلة، وكلها ثابتة من إخراج البخارى. وقد جعل عليه السلام فى حديث أبى سعيد، وحديث ابن عمر كُلَّ مارٍّ بين يدى المصلى شيطانًا، وأخبرنا أبو ذر أن الكلب الأسود أيضًا يقطع الصلاة؛ لأنه شيطان، وكانت العلة التى جعل لها قطع الصلاة قد جعلت فى بنى آدم، وقد ثبت عنه عليه السلام أنهم لا يقطعون الصلاة، فدل ذلك أن كل مارٍّ بين يدى المصلى مما سوى بنى آدم كذلك أيضًا لا يقطع الصلاة، ومما يدل على ذلك أيضًا فُتيا ابن عمر أن الصلاة لا يقطعها شىء، وقد روى عن الرسول درء المصلى من مرَّ بين يديه، فدل ذلك على ثبوت نسخ ما رواه عنه، عليه السلام، وأنه على وجه الكراهة، والله أعلم، قاله الطحاوى.