النوم المذكور فى هذا الحديث إنما هو نوم القاعد الذى يخفق برأسه لا نوم المضطحع، والدليل على ذلك أنه لم يكن يذكر أحد من الرواة أنهم توضئوا من ذلك النوم، ولا يدل قوله:(ثم استيقظوا) على النوم المستغرق الذى يزيل العقل وينقض الوضوء؛ لأن العرب تقول: استيقظ من سنَتِه وغفلَتِه، وإلى هذا ذهب الشافعى فى أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، ويشبه أيضًا مذهب مالك فى مراعاته النوم الخفيف فى كل الأحوال؛ لأنه ليس بحدث وهو رد على المزنى فى قوله: إن قليل النوم وكثيره حدث ينقض الوضوء؛ لأنه محال أن يذهب على أصحاب الرسول أن النوم حدث ينقض الوضوء، فيصلون بالنوم، ولا يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، وقد رُوى عن ابن عمر، وابن عباس، وأبى أمامة، وأبى هريرة أنهم كانوا ينامون قعودًا، ولا يتوضئون، فدل هذا أنه كان نومًا خفيفًا. فإن قال قائل: فقد جاء عن أنس أنهم حين كانوا ينتظرون الصلاة مع النبى، عليه السلام، ناموا مضطجعين، ثم صلوا ولم يتوضئوا، ذكره الطبرى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال:(كان أصحاب رسول الله ينتظرون الصلاة مع الرسول فيضعون جنوبهم، ثم يقمون فيصلون ولا يتوضئون) . ففى هذا حجة لمن لم ير من النوم وضوءًا أصلاً، وهو قول أبى موسى الأشعرى، وأبى مجلز، وعمرو بن دينار، فهذا خلاف ما تأولت فى هذه الأحاديث، أنهم كانوا ينامون نومًا خفيفًا. قيل: قد جاء حديث قتادة، عن أنس بلفظ آخر، وفيه ما يدل على ما قلناه وهو قوله:(ثم يقومون) ، فمنهم من يتوضأ ومنهم من