وقال المهلب وأبو الزناد: إنما قال ذلك (صلى الله عليه وسلم) ، والله أعلم، خشية الملال اللاحق بمن انقطع فى العبادة. وقد ذَمَّ الله من التزم فعل البرِّ ثم قطعه بقوله تعالى:(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)[الحديد: ٢٧] . ألا ترى أن عبد الله بن عمرو لما ضعف عن العمل ندم على مراجعته رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى التخفيف عنه، وقال: ليتنى قبلت رخصة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولم يقطع العمل الذى كان التزمه. قال ابن قتيبة: وقوله: تمت فإن الله لا يمل حتى تملوا -، معناه لا يمل إذا مللتم. ومثال ذلك: قولهم فى الكلام: هذا الفرس لا يفتر حتى يفتر الخيل، لا يريد بذلك أنه يفتر إذا فترت الخيل، ولو كان هذا المراد ما كان له فضيلة عليها إذا فتر معها. ومثله: قولهم فى الرجل البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، يعنى لا ينقطع إذا انقطع خصومه، ولا أراد أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له فضل على غيره ولا وجبت له به مدحة. قال الشاعر: صَليتْ مِنَّا هُذَيْلٌ بِحَرْبٍ لا نَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى تَمَلُّوا لم يرد أنهم يملون الشر إذا ملوا، ولو أراد ذلك ما كان لهم فيه مدح، لأنهم حينئذ يكونون فيه سواء كلهم، بل أراد أنهم لا يملون الشر، وإن مَلّه خصومهم.