فإن قال قائل: فإن هذا الحديث يعارض حديث أبى قتادة، أنه عليه السلام، قال:(إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى ترونى) . قيل: يحتمل أن يكون حديث أبى قتادة على غير الإيجاب والحتم، بل على وجه الرفق بهم لئلا ينتظروه قيامًا. وفيه: جواز انتظار الجماعة لإمامها الفاضل ما دام فى سعة من الوقت. وفيه: جواز انتظارهم له قيامًا، وهذا مما يكون فيما قرب. وفى هذا الحديث حجة لمالك وأبى حنيفة أن تكبير المأموم يقع بعد تكبير الإمام، وهو قول عامة الفقهاء، ويرد قول الشافعى فى إجازته تكبير المأموم قبل إمامه؛ لأنه روى حديث أبى هريرة على ما رواه مالك، عن إسماعيل بن أبى حكيم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله كبر فى صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم أن امكثوا فذهب، ثم رجع، وعلى جلده أثر الماء، فاحتج به الشافعى فى ذلك، ونقض أصله؛ لأنه حديث مرسل، وهو لا يقول بالمراسيل. ومالك الذى ذكره فى موطئه تركه، وأراد أن يعرفنا أنه رواه، ولم يقل به؛ لأنه قد صح عنده أنه عليه السلام، لم يكن كبر حينئذ على ما رواه أبو هريرة، وهذا الحديث رواه يونس، ومعمر، والأوزاعى، وصالح بن كيسان، عن الزهرى، عن أبى سلمة، عن هريرة، وأنه عليه السلام لم يكن كبر، وذهب فاغتسل، ثم رجع، فكبر، ولو لم يكن يستأنف التكبير عند رجوعه لما صحت صلاة من خلفه؛ لأنه كان يقع تكبيره بعد تكبيرهم، ولا يستحق الإمام اسم الإمامة إلا بتقديم فعله فعل من يأتم به واتباعهم له، ومن كبر قبل إمامه فلم يأتم به، ولا حصل متبعًا له.