للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْنا: والأصلُ عدمُ الاشتِراكِ، ثمَّ قد تَعارَضَ المجازُ والاشتِراكُ المُجَرَّدُ، والمجازُ أَوْلَى، ثمَّ إنَّ لفظَ الكلامِ أكثرُ ما اسْتُعمِلَ في العباراتِ، وكثرةُ مواردِ الاستعمالِ تَدُلُّ على الحقيقةِ، فأمَّا قولُه تَعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} (١) فمجازٌ؛ لأنَّه إِنَّمَا دَلَّ على المعنى النَّفسيِّ بالقَرينةِ، وهي قولُه: {فِي أَنْفُسِهِمْ} (٢) ولو أُطلِقَ لَمَا فُهِمَ إلَّا العبارةُ، وكذلك كلُّ ما جاءَ مِن هذا البابِ إِنَّمَا يُفيدُ مع القَرينةِ، ومنه قولُ عمرَ -رضي الله عنه-: «زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كلامًا» إِنَّمَا أفادَ ذلك بقَرينةِ قولِه: «فِي نَفْسِي»، وأمَّا قولُه تَعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} (٣) فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ الإسرارَ نَقيضُ الجهرِ، وكلاهما عبارةٌ إحداهما أرفعُ صوتًا من الأُخرى.

وأمَّا الشِّعرُ يَعني قَولَ الشَّاعرِ (٤):

إِنَّ الكَلَامَ لَفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا

جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الفُؤَادِ دَلِيلَا

فهو للأخطلِ، ويُقالُ: إنَّ المشهورَ فيه: «إِنَّ البَيَانَ لَفِي الفُؤَادِ»، وبتقديرِ أنْ يَكُونَ كما ذَكَرْتُم فهو مجازٌ عن مادَّةِ الكلامِ، وهو التَّصوُّراتُ المُصَحِّحَةُ له؛ إذ مَن لا يَتَصَوَّرُ مَعنى ما يَقولُ لا يُوجدُ منه (٥) كلامٌ، ثمَّ هو مبالغةٌ مِن هذا الشَّاعرِ في ترجيحِ الفُؤادِ على اللِّسانِ (٦). انتهى.


(١) المجادلة: ٨.
(٢) المجادلة: ٨.
(٣) الملك: ١٣.
(٤) من الكاملِ، ويُنسَبُ للأخطلِ، ولا يَثبُتُ له في ديوانِه. انظرِ التَّذييلَ والتَّكميلَ لأبي حيَّانَ الأندلسيِّ (١/ ٢٣) دار القلمِ.
(٥) في (د)، (ع): فيه. والمثبت من «شرح مُختَصَرِ الرَّوضةِ»: منه.
(٦) في (د)، (ع): اللِّسانِ على الفؤادِ. والمثبت من «شرح مُختَصَرِ الرَّوضةِ».

<<  <   >  >>