للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَتُعْتَبَرُ إِرَادَةُ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ) أي: صيغةِ الأمرِ بلا خلافٍ؛ حَتَّى لا يَرِدَ نحوُ: نائمٌ وساهٍ.

قال ابن عَقِيلٍ (١) وغيرُه: اتَّفَقْنا على أنَّ إرادةَ النُّطقِ مُعتبَرةٌ، وإلَّا فليسَ طلبًا واقتضاءً واستدعاءً (٢).

(وَ) للأمرِ صيغةٌ (تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَيْهِ لُغَةً) عندَ الأئمَّةِ الأربعةِ وغيرهم، قال بعضُ أصحابِنا: قولُهم: «للأمرِ صيغةٌ» صحيحٌ؛ لأنَّ الأمرَ: اللَّفظُ والمعنى، فاللَّفظُ دَلَّ على التَّركيبِ، وليسَ هو عينَ المدلولِ، ولأنَّ اللَّفظَ دَلَّ على صيغتِه الَّتي هي الأمرُ به، كما يُقالُ: يَدُلُّ على كونِه أمرًا، ولم يُقلْ: على الأمرِ.

وقال القاضي: الأمرُ يَدُلُّ على طلبِ الفعلِ واستدعائِه (٣). فجَعَلَه مدلولَ، الأمرِ لا عينَ الأمرِ.

و (لَا) يُعتَبَرُ في الأمرِ ولا في الخبَرِ: (إِرَادَةُ الفِعْلِ)؛ لإجماعِ أهلِ اللُّغةِ على عَدَمِ اشتِراطِها، ولأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ إبراهيمَ بذبحِ ولدِه، ولم يُرِدْه منه، ولو أَرادَه لَوَقَعَ؛ لأنَّه فَعَّالٌ لِما يُريدُ، ولأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ بردِّ الأماناتِ إلى أهلِها، ثمَّ إنَّه لو قال: «واللهِ لأُؤَدِّيَنَّ أمانَتَك إليك غدًا إنْ شاءَ اللهُ»، ولم يفعلْ: لم يَحنَثْ، ولو كانَ مرادُ اللهِ؛ لوَجَبَ أن يَحنَثَ، ولا حنثَ بالإجماعِ.

واستعمالُ الصِّيغةِ في غيرِ الأمرِ: مجازٌ، فهي بإطلاقِها له، والأمرُ والإرادةُ يَتَفَاكَّانِ، كمَن يَأمُرُ ولا يُريدُ، أو يُريدُ ولا يَأمُرُ، فلا يَتَلازَمَانِ، وإلَّا اجتمعَ النَّقيضانِ.


(١) «الواضح في أصول الفقه» (٢/ ٤٧٩).
(٢) في (ع): واستعلاء.
(٣) «العدة في أصول الفقه» (٢/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>