للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١) لِعَيْنِهِ) أي: لذاتِ ذلك الشَّيْءِ كالظُّلمِ ونحوِه منَ المُستَقبحِ لذاتِه عقلًا يَقتضي فسادَه مِن جهةِ الشَّرعِ على الصَّحيحِ، وعليه الأكثرُ، واحتُجَّ لذلك: بالكتابِ، والسُّنَّةِ، والاعتبارِ، ومُناقضةِ الخصومِ.

أمَّا الأوَّلُ فلم يَزَلِ العلماءُ يَستدلُّون على الفسادِ بالنَّهيِ، كاحتجاجِ ابنِ عمرَ بقولِه تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (١) وشاعَ وذاعَ مِن غيرِ نكيرٍ.

فإنْ قُلْتَ: احتجاجُهم إِنَّمَا هو على التَّحريمِ لا على الفسادِ.

قُلْتُ: بل على كِلَيْهِما، ألا تَرى إلى حديثِ بيعِ الصَّاعينِ بالصَّاعِ، وقولِه -صلى الله عليه وسلم-: «أَوَّهْ! عَيْنُ الرِّبَا» (٢) وذلك بعدَ القَبضِ، فأَمَرَ برَدِّه.

وأمَّا الثَّاني ففي «صحيحِ مسلمٍ» أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (٣)، والرَّدُّ إذا أُضيفَ إلى العِباداتِ اقْتَضَى عدمَ الاعتدادِ بها، وإنْ أُضِيفَ إلى العُقودِ اقتضى الفسادَ.

فَإِنْ قِيلَ: مَعناه ليسَ بمقبولٍ ولا طاعةٍ.

قُلْنا: الحديثُ يَقتضي رَدَّ ذاتِه، فإنْ لم يُمْكِنِ: اقْتضى رَدَّ مُتَعَلَّقِه.

وأمَّا الثَّالثُ وهو الاعتبارُ، فلأنَّ النَّهيَ يَدُلُّ على تَعَلُّقِ مفسدةٍ بالمَنهيِّ عنه أو بما يُلازِمُه؛ لأنَّ الشَّارعَ حكيمٌ لا يَنهى عنِ المصالحِ، وفي القضاءِ بإفسادِها إعدامٌ لها بأبلغِ الطَّريقِ، ولأنَّ النَّهيَ عنها مع ربطِ الحُكْمِ بها


(١) البقرة: ٢٢١.
(٢) رواه البخاري (٢٣١٢)، ومسلم (١٥٩٤) من حديث أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه-.
(٣) «صحيح مسلم» (١٧١٨) من حديث عائشة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>