للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُفضٍ إلى التَّناقُضِ في الحِكمةِ؛ لأنَّ نَصْبَها سببًا يُمَكِّنٌ (١) مِن التَّوسُّلِ، والنَّهيُ مَنعٌ (٢) مِن التَّوسُّلِ، ولأنَّ حُكمَها مقصودُ الآدميِّ ومُتَعَلَّقُ غرضِه، فتَمكينُه منه حَثٌّ على تعاطيه، والنَّهيُ مَنْعٌ مِن التَّعاطي، ولأنَّه لو لم يَفْسُدِ المنهيُّ عنه لَزِمَ مِن نَفيِه؛ لكونِه مَطلوبَ التَّركِ بالنَّهيِ حكمةٌ للنَّهيِ، ومِن ثُبوتِه لكونِ الغَرضِ جوازَ التَّصرُّفِ وصِحَّتَه حِكمةٌ للصِّحَّةِ، واللَّازمُ باطلٌ؛ لأنَّ الصِّحَّةَ والنَّهيَ إنْ تَسَاويا أو رَجَحَتْ حكمةُ الصِّحَّةِ: امتنعَ النَّهيُ؛ لخُلُوِّه عنِ الحكمةِ، وإلَّا امتنعَتِ الصِّحَّةُ لعدمِ حِكْمَتِها.

وأمَّا المُناقضةُ، وهو الرَّابعُ: فلأنَّ المُخالفينَ أَبْطَلُوا النِّكاحَ في العِدَّةِ، ونكاحَ المُحْرِمِ، والمُحاقلةَ، والمُزابنةَ، والمُنابذةَ، والمُلامسةَ، والعقدَ على منكوحةِ الأبِ؛ لقولِه تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (٣) الآيةَ، {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} (٤)، والصلاةَ في المكانِ النَّجِسِ والثَّوبِ النَّجِسِ، وحالةَ كشفِ العَورةِ إلى غيرِ ذلك، ولا مُستندَ إلَّا النَّهيُ.

(٢) (أَوْ) أي: وهذا القِسْمُ الثَّاني المَنهيُّ عنه لـ (وَصْفِهِ) اللَّازمِ له كالنَّهيِ عن صومِ يومِ العيدِ (٥)، وأيَّامِ التَّشريقِ (٦)؛ فإنَّ ذلك (يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا)؛ لكونِ العيدِ وأيَّامِ التَّشريقِ أيَّامَ ضيافةِ اللهِ -عز وجل-، وهذا مَعنًى لازمٌ لها، ومِثْلُه النَّهيُ عنِ الرِّبا لوصفِ الزِّيادةِ المُقارِنِ للعقدِ اللَّازمِ،


(١) في (د): تمكن.
(٢) في (ع): يمنع.
(٣) النِّساء: ٢٢.
(٤) البقرة: ٢٢١.
(٥) روى البخاري (١١٩٧)، مسلم (١١٣٨) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ».
(٦) روى البخاري (١٩٩٧) عَن عائشة وابن عُمَرَ -رضي الله عنهم-، قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ».

<<  <   >  >>