للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو على الرَّاجحِ كـ: «ليسَ»، ومنها ما هو مُتَرَدِّدٌ بينَ الحَرفيَّةِ والفِعليَّةِ، فإنْ نُصِبَ ما بعدَه كانَ فعلًا، أو جُرَّ كانَ حرفًا وهو «خلا» باتِّفاقٍ، و «عدا» عندَ غيرِ سِيبَويْه، ومنها ما هو اسمٌ وهو «غيرُ» و «سِوَى»، سواءٌ قلنا: [هو ظرفٌ، وإنَّما اسْتثْنِي به، أو قُلْنا: يَتَصَرَّفُ تَصرُّفَ الأسماءِ، ويُقالُ فيه: سُوى بضمِّ السِّينِ] (١) و «سَواءٌ» بفتحِها والمدِّ، وبكسْرِها والمدِّ.

إذا عَلِمْتَ ذلك، فالصَّحيحُ أنَّ مِن شَرطِ الاستثناءِ كَوْنَه (مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ) ليَخْرُجَ ما لو قال اللهُ تعالى: {اقتلوا الْمُشْرِكِينَ} (٢)، فقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِلَّا أَهلَ الذِّمَّةِ» (٣) فإنَّ ذلك استثناءٌ مُنفصِلٌ لا مُتَّصِلٌ، ولهذا قال الرَّافعيُّ (٤): لو قال: لي عليك مئةٌ، فقال: إلَّا درهمًا، لم يَكُنْ مُقِرًّا بما عدا المُستثنى على الأصحِّ. واحتِيجَ في قولِ العبَّاسِ -رضي الله عنه- بعدَ قولِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «ولا يُخْتَلَى خَلَاؤُهُ»: يا رسولَ اللهِ! إلَّا الإذخرَ. فقال: «إِلَّا الإِذْخِرَ» (٥) إلى تأويلِه بأنَّ العبَّاسَ أرادَ أن يُذَكِّرَه -صلى الله عليه وسلم- بالاستثناءِ خَشيَةَ أنْ يَسْكُتَ عنه اتِّكالًا على فَهمِ السَّامعِ ذلك بقَرينةٍ، وفُهِمَ منه أنَّه يُريدُ استثناءَه، ولذلك أعادَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إِلَّا الإِذْخِرَ» ولم يَكتَفِ باستثناءِ العبَّاسِ.

[تنبيهٌ: لو قَدَّرْنا أنَّ الاستثناءَ إخراجُ ما لَوْلاه لجازَ دُخولُه كـ: أَكْرِمْ رجلًا إلَّا زيدًا وعَمرًا، وصلِّ إلَّا عندَ الزَّوالِ، و {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (٦)؛ صَحَّ الاستثناءُ مِن نكرةٍ كالاستثناءِ مِن المَحَالِّ والأزمانِ والأحوالِ، وسَلَّمَه بعضُهم.


(١) ليس في «د».
(٢) التَّوبة: ٥.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) «الشرح الكبير» (١١/ ١٧٧).
(٥) رواه البخاري (١٣٤٩)، ومسلم (١٣٥٣).
(٦) يوسف: ٦٦.

<<  <   >  >>