فعلى القولِ بأنَّ النَّهيَ شاملٌ للصَّحراءِ والبنيانِ، فيَحرُمُ فيهما، وبه قال جمعٌ، ويَكُونُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خُصَّ بذلك وخَرَجَ مِن عُمومِ النَّهيِ، وإنْ قُلْنا إنَّه -صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ مختصًّا بذلك فالتَّخصيصُ لِلْبُنْيَانِ مِن العُمومِ، سواءٌ هو والأُمَّةُ في ذلك.
(٤)(وَ) يُخَصَّصُ العامُّ أيضًا (بِإِقْرَارِهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى فِعْلٍ) أي: تقريرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما فَعَلَ واحدٌ مِن أُمَّتِه بحضرتِه، مُخالِفًا لعمومٍ ولم يُنكِرْه معَ عِلمِه: مُخصِّصٌ على الصَّحيحِ.
(وَهُوَ) أي: التَّخصيصُ للحُكْمِ (أَقْرَبُ مِنْ نَسْخِهِ) الَّذِي دَلَّ عليه العامُّ نَسخًا (مُطْلَقًا أَوْ) نَسْخًا (عَنْ فَاعِلِهِ) واسْتُدِلَّ لذلك بأنَّ سُكوتَه عن ذلك معَ عِلمِه دليلُ جوازِه، وإلَّا لوَجَبَ إنكارُه.
تنبيهٌ: هل يَكُونُ التَّخصيصُ بنفسِ تقريرِه -عليه السلام-، أو بما تَضَمَّنَه مِن سَبْقِ قَولٍ به، فيَكُونُ مُستدلًّا بتقريرِه على أنَّه خُصَّ بقولٍ سابقٍ؛ إذ لا يَجُوزُ لهم أن يَفعلوا ما فيه مخالفةٌ للعامِّ، إلَّا بإذنٍ صريحٍ، فتَقريرُه دليلُ ذلك؟ ظاهرُ كلامِ أَصحابِنا وغيرِهم الأوَّلُ.
(٥)(وَ) يُخَصَّصُ العامُّ أيضًا (بِمَذْهَبِ صَحَابِيٍّ) على الصَّحيحِ إنْ قِيلَ هو حُجَّةٌ، وإلَّا فلا،
مثالُه: قولُه -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ». رَوَاه مسلمٌ (١) من حديثِ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن مَعْمَرِ بنِ عبدِ اللهِ، عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وكانَ سعيدٌ يَحتكِرُ الزَّيتَ، فقِيلَ له، فقالَ: إنَّ مَعمَرًا راوي الحديثِ كانَ يَحتكرُ.