للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العَسْكَرِيُّ: ويَتَمَيَّزُ بحرفِ الجرِّ، تَقولُ: هذا مختارٌ لكذا في الفاعلِ، ومختارٌ مِن كذا في المفعولِ (١).

والفرقُ بينَ هذا وبينَ القرءِ أنَّ الإجمالَ طرديٌّ على هذا باعتبارِ الإعلالِ والعملِ التَّصرُّفِيِّ، والقُرءُ مُجمَلٌ من حيثُ وضعُه، معَ أنَّ كلًّا مِنهما إجمالُه مِن حيثُ هو مفردٌ، وأمَّا المُرَكَّبُ فكثيرٌ، فمنه قولُه تَعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (٢) فيُحتمَلُ أنْ يَكُونَ الوليَّ؛ لأنَّه الَّذِي يَعقِدُ نكاحَ المرأةِ؛ لأنَّها لا تُزَوِّجُ نَفْسَها، ويُحتمَلُ أنْ يَكُونَ الزَّوجَ؛ لأنَّه الَّذِي بيدِه دوامُ العقدِ والعِصمةِ، فوَقَعَ الاختلافُ في بيانِه، والرَّاجحُ أنَّه الزَّوجُ.

(٤) (وَ) يَكُونُ الإجمالُ أيضًا فِي (مَرْجِعِ ضَمِيرٍ) نحوُ الضَّميرِ في قولِه -صلى الله عليه وسلم- في الصَّحيحين: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» (٣)، يُحتملُ عودُه إلى الغارزِ وهو أقربُ مذكورٍ؛ أي: لا يَمنَعُه جارُه أنْ يَفعَلَ ذلك في جدارِ نَفْسِه، وعلى هذا فلا دَلالةَ فيه على القولِ أنَّه إذا طَلَبَ جارُه منه أن يَضَعَ خشبةً على جدارِ المطلوبِ منه وَجَبَ عليه التَّمكُّنُ، ويُحتملُ أنْ يَعُودَ إلى الجارِ الآخَرِ، فيَكُونُ فيه دَلالةٌ على ذلك، والَّذي عليه الإمامُ أحمدُ أنَّ الضَّميرَ إِنَّمَا يَعُودُ إلى الجارِ لا إلى الغارزِ، وفي الحديثِ ما يَدُلُّ على ذلك لقولِ أبي هُرَيْرَةَ: ما لي أراكم عنها مُعرِضينَ! واللهِ لأَرْمِيَنَّ بها بينَ أَظهُرِكم (٤). ولو كانَ ذلك عائدًا إلى الغارزِ لَمَا قال ذلك.


(١) ينظر: «تشنيف المسامع» (٢/ ٨٣٨)، و «الغيث الهامع» (ص ٣٥٦).
(٢) البقرة: ٢٣٧.
(٣) رواه البخاري (٢٤٦٣)، ومسلم (١٦٠٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) رواه البخاري (٢٤٦٣)، ومسلم (١٦٠٩).

<<  <   >  >>