للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣) (وَإِنْ تَعَذَّرَ) التَّأويلُ بأنْ لم يَحتمِلْه اللَّفظُ: (رُدَّ) وجوبًا، وحُكِمَ ببطلانِه؛ لعدمِ الدَّليلِ.

إذا تَقَرَّرَ ذلك، (فَمِنَ) التَّأويلِ (البَعِيدِ: تَأْوِيلُ الحَنَفِيَّةِ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ (١) نِسْوَةٍ) وهو غَيلانُ بنُ سَلَمَةَ: («اخْتَرْ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا»، (وَفِي لَفْظٍ) آخَرَ: («أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» (٢) أوَّلَتْه الحنفيَّةُ (عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ) لأربعٍ مِنهنُّ إنْ كانَ عَقَدَ عليهنَّ معًا، (أَوْ) على (إِمْسَاكِ) الأربعِ (الأَوَائِلِ) إنْ كانَ تَزَوَّجَهُنَّ مُتفرِّقاتٍ، وهو تأويلٌ بعيدٌ ومردودٌ، ووجهُ بُعدِه ورَدِّه بأنَّ الفُرقةَ لو وَقَعَتْ بالإسلامِ لم يُخَيِّرْه، وقد خَيَّرَه، والمُتبادِرُ عندَ السَّماعِ منَ الإمساكِ الاستدامةُ، والسُّؤالُ وَقَعَ عنه، وخصَّ التَّزويجَ فيهنَّ، ولم يُبَيِّنْ له شُروطَ النِّكاحِ معَ مسيسِ الحاجةِ إليه؛ لقُربِ إسلامِه، وأيضًا لم يُنقَلْ عنه ولا عن غيرِه مِمَّن أَسْلَمَ على أكثرَ مِن أربعٍ أنَّه جَدَّدَ النِّكاحَ، وأيضًا فالابتداءُ يَحتاجُ إلى رِضى مَن يَبْتدئها، ويَصيرُ التَّقديرُ: فارقِ الكُلَّ وابتدئْ بعدَ ذلك مَن شِئتَ، فيَضِيعُ قولُه: «اخْتَرْ أَرْبَعًا»؛ لأنَّه قد لا يَرضَيْنَ أو بَعضُهنَّ.

(وَأَبْعَدُ مِنْهُ) أي: مِن هذا التَّأويلِ تأويلُهم (قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم- لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ) وهو فيروزُ الدَّيْلَمِيُّ: («اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» (٣) أوَّلَتْه الحنفيَّةُ (عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ) إمَّا الابتداءِ، أو إمساكِ الأُولى كما سَبَقَ، وإنَّما كانَ أبعدَ مِن الَّذِي قَبْلَه؛ لأنَّ النَّافِيَ للتَّأويلِ المذكورِ في الأوَّلِ هو الأمرُ الخارجُ


(١) في «ع»: عشرة.
(٢) رواه الترمذي (١١٢٨)، وابن ماجه (١٩٥٣)، وابن حبان (٤١٥٦) من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-.
(٣) رواه أبو داود (٢٢٤٣)، والترمذي (١١٢٩، ١١٣٠)، وابن حبان (٤١٥٥) وقال الترمذي: حديث حسن.

<<  <   >  >>