للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنِ اللَّفظِ، وهو شهادةُ الحالِ، وهنا قد انْضَمَّ إلى شهادةِ الحالِ مانعٌ لفظًا، وهو قولُه -صلى الله عليه وسلم-: «أَيَّتَهُمَا شِئْتَ»، فإنَّ بتقديرِ نِكاحِهما على التَّرتيبَ تعيينَ الأُولى للاختيارِ ولفظُ: «أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» يَأباه.

(وَ) منه تأويلُهم قولَه تَعالى: ({فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (١) عَلَى إِطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ) مسكينًا، فجَعَلُوا المعدومَ وهو «طعام» مذكورًا مفعولًا به، والمذكورَ وهو قولُه: «سِتِّينَ» مَعدومًا لم يَجْعَلوه مفعولًا به، وعَلَّلُوا ذلك بأنَّ المقصودَ دَفعُ الحاجةِ، ودفعُ حاجةِ سِتِّين كحاجةِ واحدٍ في سِتِّين يومًا معَ ظهورِ قصدِ العددِ لفضلِ الجماعةِ وبركتِهم وتضافرِهم على الدُّعاءِ للمُحسِنِ، وهذا لا يُوجَدُ في الواحدِ، وأيضًا حَملُه على ذلك تعطيلٌ للنَّصِّ ولهذه الحكمةِ شُرِعَتِ الجماعةُ في الصَّلَاةِ وغيرِها.

(وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ) التَّأويلِ السَّابقِ تَأويلُهم ما في روايةِ أبي داودَ والتِّرمذيِّ (٢) مِن حديثِ ابنِ عمرَ في الغَنمِ: («فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» عَلَى قِيمَتِهَا) أي: أنَّ المرادَ في أربعينَ شاةً قيمةُ شاةٍ؛ لأنَّ اندفاعَ الحاجةِ كما يَكُونُ بالشَّاةِ يَكُونُ بقيمتِها، ووجهُ كَوْنِه أبعدَ ممَّا قبْلَه: لأنَّه يَلْزَمُ ألَّا تَجِبَ الشَّاةُ، فعادَ هذا الاستنباطُ على النَّصِّ بالإبطالِ وذلك غيرُ جائزٍ، وكلُّ فرعٍ اسْتُنبِطَ من أصلٍ يَبطُلُ ببطلانِه.

(وَ) منه تأويلُهم قولَه -صلى الله عليه وسلم-: («أَيُّمَا امْرَأَة نَكَحَتْ (٣) نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) وفي روايةٍ: بَاطِلٌ (بَاطِلٌ بَاطِلٌ)، فَإِنْ أَصَابَهَا


(١) المجادلة: ٤.
(٢) رواه أبو داود (١٥٦٨)، والترمذي (٦٢١) وقال الترمذي: حديث حسن.
(٣) في «ع»: أنكحت.

<<  <   >  >>