للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَلَا يُنْسَخُ) حُكمٌ (بِهِ) أي: بالإجماعِ عندَ الأكثرِ؛ لأنَّ الإجماعَ إنْ كانَ عن نصٍّ فهو النَّاسخُ، وإنْ كانَ عن قياسٍ، فالمنسوخُ إنْ كانَ قطعيًّا فالإجماعُ خطأٌ لانعقادِه بخلافِه، وإنْ كانَ ظَنِّيًّا زالَ شرطُ العملِ به، وهو رُجحانُه على معارضِه الَّذِي هو سندُ الإجماعِ، وإلَّا يَكُونُ الإجماعُ خطأً ومَعَ زوالِه فلا ثبوتَ له، فلا نسخَ.

(وَكَذَا) أي: كالإجماعِ عندَ الجمهورِ (القِيَاسُ) في كَوْنِه لا يَنسَخُ ولا يُنسَخُ به، أمَّا كَوْنُه لا يُنسَخُ به؛ لأنَّ القياسَ يُستعَمُل معَ عدمِ النَّصِّ فلا يَنسَخُ النَّصَّ، ولأنَّه دليلٌ يَحتمِلُ، والنَّسخُ إِنَّمَا يَكُونُ بغيرِ مُحتمِلٍ، وأيضًا فشرطُ صِحَّةِ القياسِ ألَّا يُخالِفَ الأصولَ، فإذا خالَفَ فَسَدَ، وأمَّا كَوْنُه لا يَنسَخُ لبقائِه ببقاءِ أصلِه.

وقالَ ابنُ البَاقِلَّانِيِّ: لا يَنسَخُ قياسًا آخَرَ؛ لأنَّ التَّعَارُضَ إنْ كانَ بينَ أصلَيِ القياسينِ فهو نسخُ نصٍّ بنصٍّ، وإنْ كانَ بينَ العِلَّتَينِ فهو مِن بابِ المُعارضةِ في الأصلِ والفرعِ لا مِن بابِ القياسِ (١).

وجَوَّزَ قومٌ نَسخَ القياسِ الموجودِ زَمَنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بنَصِّه على العِلَّة أو تنبيهِه عليها، فيَجُوزُ نَسخُه بنصِّه أيضًا.

مثالُه: أنْ يَنُصَّ على تحريمِ الرِّبا في البُرِّ، ويَنُصَّ على أنَّ عِلَّةَ تحريمِه الكيلُ، ثمَّ يَنُصَّ بعدَ ذلك على (٢) إباحتِه في الأَرُزِّ ويُمنَعَ مِن قياسِه على البُرِّ فيَكُونَ ذلك نسخًا.


(١) ينظر: «الفوائد السنية في شرح الألفية» (٤/ ٣٥٦).
(٢) ليس في «د».

<<  <   >  >>