مثالُه: أن يَقُولَ في المُتبايعَينِ إذا كانَتِ السِّلعةُ تالفةً: مُتبايعانِ تَخَالَفَا، فيَتَحَالفانِ ويَتَرَادَّانِ، كما لو كانَتِ السِّلعةُ قائمةً؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ فَلْيَتَحَالَفَا وَلْيَتَرَادَّا»(١) فيَثْبُتُ الحُكمُ بالنَّصِّ، وعِلَّتُه: التَّحالفُ بالإيماءِ.
(وَإِنْ) كانَ حُكمُ الأصلِ فرعًا، و (لَمْ يَقُلْ بِحُكْمِ أَصْلِهِ) أي: أصلِ ذلك الفرعِ (المُسْتَدِلُّ) وقالَ به المُعتَرضُ، كقولِ حنفيٍّ في صومِ رمضانَ بنيَّةِ نفلٍ: أَتَى بما أُمِرَ به، فصَحَّ كفريضةِ حجٍّ بنيَّةِ نفلٍ. وهو لا يَقُولُ بصِحَّةِ فريضةِ الحجِّ بنيَّةِ النَّفلِ، بل خصمُه هو القائلُ به، (فَـ) هذا قياسٌ (فَاسِدٌ) لفسادِ أصلِه عندَه؛ لأنَّه اعترفَ ضِمنًا بخطئِه في الأصلِ، وهو إثباتُ الصِّحَّةِ في فريضةِ الحجِّ، والاعتِرافُ ببُطلانِ إحدى مُقدِّماتِ دليلِه اعتِرافٌ ببطلانِ دَليلِه، ولا يُسمَعُ مِن المُدعِّي ما هو معتَرفٌ ببطلانِه، ولا يُمَكَّنُ مِن دَعواه.
مثالٌ آخَرُ: أن يَقُولَ حنبليٌّ في قتلِ المُسلِمِ بالذِّمِّيِّ: تَمَكَّنَتِ الشُّبهةُ؛ فلا يُوجِبُ القصاصَ كالمُثقَلِ، فإِنَّه فرعٌ يُخالِفُ المُستدلَّ وهو على مذهبِ المُعتَرضِ، وفرعٌ مِن فروعِه، فلا يُمَكَّنُ المُستدلُّ مِن تقريرِ مذهبِه معَ اعتِرافِه ببطلانِه.
(وَمَا) مبتدأٌ خَبَرُه قولُه: لَيْسَ بحُجَّةٍ (اتَّفَقَا عَلَيْهِ) أي: إذا اتَّفَقَ الخَصمانِ على حُكمِ الأصلِ:
(١) قال ابن الملقن في «البدر المنير» (٦/ ٥٩٧): وهذه رواية غريبة لم أجدها في شيء من كتب الحديث بعد البحث التام، وأفاد الرافعي في كتابه «التذنيب» أن هذه الرواية لا ذكر لها في كتب الحديث، وإنما توجد في كتب الفقه.