للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمٍ) واحدٍ (بِعِلَلٍ) مُتَعَدِّدَةٍ (كُلُّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ)، فالمُعَلَّلُ بالعِللِ المُتَعَدِّدَةِ لا يَخلو إمَّا أنْ يَكُونَ واحدًا بالنَّوعِ أو واحدًا بالشَّخصِ، فالواحدُ بالنَّوعِ يَجُوزُ تعدُّدُ عِلَلِه بحَسَبِ تعدُّدِ أشخاصِه بلا خلافٍ؛ كتعليلِ قتلِ زيدٍ برِدَّتِه وقتلِ عمرٍو بالقصاصِ، وقتلِ بَكرٍ بالزِّنا، وأمَّا الواحدُ بالشَّخصِ، فلا خلافَ في امتناعِ تعدُّدِ العِللِ العَقليَّةِ؛ لأنَّه بمَعنى تأثيرِ كلِّ واحدٍ، والمُؤثِّراتُ على أثرٍ واحدٍ مُحالٌ، فالقتلُ في صورةٍ واحدةٍ مُحالٌ تَعَدُّدُه؛ إذْ هو إزهاقُ الرُّوحِ، وكذلك أسبابُ الحَدَثِ إِنَّمَا هي أحداثٌ في مَحَلٍّ، لا حَدَثٌ واحدٌ، وأمَّا العللُ الشَّرعيَّةُ فهي مَحَلُّ الخلافِ.

(وَ) الصَّحيحُ أنَّه يَجُوزُ تعليلُ (صُورَةٍ) واحدةٍ (بِعِلَّتَيْنِ وَبِعَلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ) كتحريمِ وطءِ الحائضِ المُعتدَّةِ المُحرِمةِ، وكالحَدَثِ لخروجٍ مِن فرجٍ، وزوالِ عقلٍ، ومسِّ فرجٍ، ولمسِ أُنثى، فإنَّ كلَّ واحدٍ مِن المُتعدِّدين المَذكورينَ يُثبِتُ الحُكمَ مُستِقلًّا، وإنَّما كانَ كذلك لأنَّ العِلَّةَ الشَّرعيَّةَ بمَعنى المُعرِّفِ (١) ولا يَمتنعُ تعدُّدُ المُعرِّفِ؛ لأنَّ مِن شأنِ كلِّ واحدٍ أنْ يُعرِّفَ لا الَّذِي وُجِدَ به التَّعريفُ حَتَّى تَكُونَ الواحدةُ إذا عُرِّفَتْ فلا تُعَرِّفِ الأُخرى؛ لأنَّه تحصيلُ الحاصلِ واستُدِلَّ له بأنَّ وقوعَه دليلُ جوازِه، وقد وَقَعَ فللحَدَثِ عِللٌ مُستقلَّةٌ؛ كالبولِ، والغائطِ، والمَذيِ، وكذا للقتلِ وغيرِه كما تَقَدَّمَ.

(وَ) على هذا فـ (كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِن العللِ (عِلَّةٌ) مُستقِلَّةٌ (لَا جُزْءُ عِلَّةٍ) وعليه الأكثرُ؛ لأنَّه ثَبَتَ استقلالُ كلٍّ منهما مُنفردةً، وأيضًا لو لم تَكُنْ كلُّ واحدةٍ عِلَّةً لامتنعَ اجتماعُ الأدلَّةِ؛ لأنَّ العللَ أدلَّةٌ، وقد ثَبَتَ التَّعليلُ بكلِّ واحدةٍ كأدلَّةٍ عقليَّةٍ وسمعيَّةٍ يَثبُتُ المدلولُ بكلٍّ مِنهما.


(١) في «ع»: العرف.

<<  <   >  >>