للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَ) يَجُوزُ تعليلُ (حُكْمَيْنِ) مختلفينِ (بِعِلَّةٍ) واحدةٍ بمَعنى الأمارةِ اتِّفاقًا، ولا يَمتنعُ عقلًا ولا شرعًا نصبُ أمارةٍ واحدةٍ على حُكمينِ مُختلفينِ كغروبِ الشَّمسِ للفطرِ والصَّلَاةِ، وبمَعنى الباعثِ على الأظهرِ؛ لأنَّه لا مانعَ كالإسكارِ للتَّحريمِ والحدِّ، وهذه المسألةُ مُقابِلةٌ للمسألةِ الَّتي قَبْلَها، وهي أنْ تَتَّحِدَ العِلَّةُ ويَتَعَدَّدَ المعلولُ، فيَكُونُ أحكامًا مختلفةً، فيَجُوزُ تعليلُها بعِلَّةٍ واحدةٍ (إِثْبَاتًا وَنَفْيًا)، فمِن الإثباتِ السَّرقةُ فإنَّها عِلَّةٌ في القَطعِ لمُناسبةِ زَجرِ السَّارقِ حَتَّى لا يَعُودَ، وفي غرامةِ المالِ المسروقِ لصاحبِه لمناسبتِه لجبْرِه، ومن العِلَّةِ في المنفيِّ الحيضُ، فإِنَّه عِلَّةٌ لمنعِ الصَّلَاةِ ومسِّ المصحفِ والوطءِ وغيرِ ذلك، لمناسبتِه للمنعِ مِن كُلٍّ مِن ذلك، ولا يُعَدُّ في مناسبتِه وصفٌ واحدٌ لعددٍ مِن الأحكامِ.

(٣) (وَ) مِن جملةِ شروطِ العِلَّةِ: (ألَّا تَتَأَخَّرَ عِلَّةُ الأَصْلِ عَنْ حُكْمِهِ) بألَّا يَكُونَ ثُبُوتُها مُتَأَخِّرًا عن ثبوتِ حُكمِ الأصلِ في الأصحِّ، كما لو قِيلَ فيمَن أصابَه عَرَقُ الكلبِ: أصابَه عرقُ حيوانٍ نَجِسٍ، فكانَ نجسًا كلُعابِه، فيمنعُ السَّائلَ كونُ عرقِ الكلبِ نَجسًا، فيَقُولُ (١) المُستدلُّ: لأنَّه مُستَقذَرٌ شرعًا، أي أَمَرَ الشَّارِعُ بالتَّنزُّهِ عنه، فكانَ نجسًا كالبولِ فيَقُولُ المُعتَرضُ: هذه العِلَّةُ ثُبوتُها مُتأخِّرٌ عن حُكمِ الأصلِ، فتَكُونُ فاسدةً؛ لأنَّ حُكمَ الأصلِ وهو نجاستُه يَجِبُ أنْ تَكُونَ سابقةً على حُكمِ استقذارِه؛ لأنَّ الحُكمَ باستقذارِه إِنَّمَا هو مُرَتَّبٌ على ثُبوتِ نجاستِه، وإنَّما كانَتْ هذه العِلَّةُ فاسدةً لتَأخُّرِها عن حُكمِ الأصلِ لِما يَلْزَمُ مِن ثبوتِ الحُكمِ بغيرِ باعثٍ على تقديرِ تفسيرِ العِلَّةِ (٢) بالباعثِ، وقد فُرِضَ تَأخُّرُها عنِ الحُكمِ وهو محالٌ؛ لأنَّ الفرضَ أنَّ الحُكمَ قد عُرِفَ قبلَ ثبوتِ عِلَّتِه.


(١) في «ع»: كالبول.
(٢) زاد في «ع»: بغير.

<<  <   >  >>