للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فائدةٌ: إنْ كانَ النَّصُّ الدَّالُّ على حُكمِ الأصلِ هو الدَّالَّ على حُكمِ الفرعِ بعينِه، فهذا قياسٌ باطلٌ؛ إذْ ليسَ ما ادُّعِيَ أنَّه أصلٌ وأنَّ الآخَرَ فرعٌ بالأَولى مِن عكسِه كما لو قِيسَ السَّفَرْجَلُ على العِنَبِ في جَرَيَان الرِّبَا فيه بعِلَّةِ الطَّعمِ، فيُقالُ: النَّهيُ عن بيعِ الطَّعامِ بالطَّعامِ شاملٌ للأمرينِ، فجَعلُ أحدِهما أصلًا والآخَرِ فَرعًا: تَحكُّمٌ، وأمَّا إذا كانَ النَّصُّ في الفرعِ على خلافِ الحُكمِ المرادِ إثباتُه بالقِيَاسِ، فالقِيَاسُ حينئذٍ باطلٌ أيضًا؛ لأنَّ النَّصَّ حينئذٍ مُقَدَّمٌ عليه.

(٥) (وَ) مِن شرطِ الفرعِ أنْ (لَا) يَكُونَ (مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ)؛ لأنَّ المُستفادَ لا بُدَّ مِن تأخُّرِه على المُستفادِ منه، وإلَّا لتَنَاقَضَ فرضٌ معَ تَأَخُّرِه، فلا يُقاسُ الوضوءُ على التَّيمُّمِ في وجوبِ النِّيَّةِ؛ لأنَّ وُرودَ التَّيمُّمِ بعدَ الهجرةِ، والوضوءُ قَبْلَها، فلو ثَبَتَ به ثَبَتَ حُكمٌ شرعيٌّ بلا دليلٍ؛ إذِ الغرضُ أنَّه لا دليلَ عليه سِوى القِيَاسِ، ووجوبُ النِّيَّةِ فيهما إِنَّمَا ثَبَتَ بقولِه -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (١).

وقالَ المُوَفَّقُ وغيرُه: الصَّحيحُ يُشتَرطُ لقياسِ العِلَّةِ لا لقياسِ الدَّلالةِ، فيُقاسُ الوُضوءُ على التَّيمُّمِ لجوازِ تأخُّرِ الدَّليلِ على المدلولِ؛ كحدوثِ العالمِ دليلٌ على القديمِ والأثرِ على المُؤَثِّرِ.

و (لَا) يُشتَرطُ (ثُبُوتُ حُكْمِه بِنَصِّ جُمْلَةٍ) أي: لا يُشتَرطُ أنْ يَدُلَّ النَّصُّ على حُكْمِ (٢) الفرعِ في الجملةِ لا بالتَّفصيلِ (٣)، وقالَ بعضُهم: يُشتَرطُ، وأنَّ التَّفصيلَ يُطلَقُ بالقِيَاسِ.


(١) رواه البخاري (١) من حديث عمر -رضي الله عنه-.
(٢) في «ع»: كل.
(٣) في «ع»: بتفصيل.

<<  <   >  >>