للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للحُكْمِ (كَـ: أَكْرِمِ العُلَمَاءَ، وَأَهِنِ الجُهَّالَ) فهو وصفٌ مناسبٌ، ومنه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (١)، فالإكرامُ مناسبٌ للعِلمِ، والإهانةُ للجهلِ، والقطعُ للسَّرقةِ، ونحوُ ذلك؛ لأنَّ المعلومَ مِن تصرُّفاتِ العُقلاءِ ترتيبُ الأحكامِ على الأمورِ المناسبةِ، والشَّرعُ لا يَخرُجُ عن تصرُّفاتِ العقلاءِ؛ ولأنَّه قد أُلِفَ مِنَ الشَّارِعِ اعتبارُ المناسباتِ دونَ إلغائِها، فإذا قُرِنَ بالحُكمِ في لَفظِه وصفًا مناسبًا غَلَبَ على الظَّنِّ اعتبارُه، وجَعَلَ ابنُ مُفْلِحٍ (٢) وغيرُه الحديثَ السَّابقَ ونَحوَه مِن هذا النَّوعِ، ورُدَّ؛ لأنَّ قولَه -عليه السلام-: «لَا يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» (٣) فيه تنبيهٌ على أنَّ عِلَّةَ ذلك ما فيه (٤) تشويشُ الفكرِ، فيَطَّرِدُ ذلك في كلِّ مُشَوِّشٍ؛ لأنَّ خصوصَ كونِه غضبانًا لَيْسَ هو المناسبَ للحُكمِ، فيُلحَقُ به الجائعُ والحاقنُ ونحوُه.

(فَإِنْ صُرِّحَ بِالوَصْفِ وَالحُكْمُ مُسْتَنْبَطُ مِنْهُ) أي: بأنْ ذُكِرَ الوصفُ المُقتَرنُ بالحُكْمِ صريحًا والحالُ أنَّ الحُكمَ مُستنبَطٌ مِن الوصفِ (كَـ) قولِه تَعالى: ({وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٥) أي: (صِحَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حِلِّهِ) فإنَّ الوصفَ الَّذِي هو حِلُّ البيعِ مُصَرَّحٌ به، والحكمُ وهو الصِّحَّةُ مُستنبَطٌ مِن الحِلِّ، (فَـ) هو (مُومًى إِلَيْهِ) في الأصحِّ للزومِ الصِّحَّةِ (٦) للحِلِّ لذكره؛ لأنَّ التَّلفُّظَ (٧) بالوصفِ إيماءٌ إلى تعليلِ الحكمِ المُصَرَّحِ به.

(وَعَكْسُهُ) وهو كَوْنُ الحُكْمِ مَذكورًا والوصفِ مُستنبطًا (بِعَكْسِهِ) فلا


(١) المائدة: ٣٨.
(٢) «أصول الفقه» (٣/ ١٢٦٥).
(٣) رواه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ».
(٤) في (د): فيه مِن.
(٥) البقرة: ٢٧٥.
(٦) ليس في «ع».
(٧) في «ع»: اللفظ.

<<  <   >  >>