للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٦) (وَمِنْهَا) أي: مِن أنواعِ الإيماءِ: (تَعْقِيبُ الكَلَامِ) الَّذِي أَنْشَأَه الشَّارِعُ لبيانِ حُكْمٍ (أَوْ تَضْمِينُهُ) له (مَا) أي: بأنْ يَذكُرَ في سياقِ الكلامِ شيئًا (لَوْ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ) أي: لو لم يَكُنْ عِلَّةً لذلك الحُكْمِ المقصودِ (لَمْ يَنْتَظِمِ) الكلامُ.

فالأوَّلُ: (نَحْوُ) نَهْيِه عنِ البيعِ وقتَ الجمعةِ في قولِه تَعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (١) فإِنَّه عِلَّةٌ للمَنعِ عندَ السَّعيِ إلى الجمعةِ، لا مُطلقًا؛ لجوازِ البيعِ في غيرِ وقتِ النِّداءِ، فلو لم يُعَلَّلِ النَّهيُ عنِ البيعِ حينئذٍ بكَوْنِه شاغلًا عنِ السَّعيِ، لكَانَ ذِكْرُه لاغيًا؛ لكَوْنِه غيرَ مرتبطٍ بأحكامِ الجُمُعةِ، فلا بدَّ إذنْ مِن مانعٍ، وليسَ إلَّا ما فُهِمَ مِن سياقِ النَّصِّ مِن شغلِ البيعِ عنِ السَّعيِ إلى الجُمُعةِ فتَفُوتُ.

ومثالُ الثَّاني وهو الَّذِي تَضَمَّنَه الكلامُ، نحوُ نهيِه عنِ القضاءِ عندَ الغضبِ في قولِه -صلى الله عليه وسلم-: («لَا يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» (٢) فإِنَّه عِلَّةٌ للمنعِ عندَ الغضبِ لا مُطلقًا؛ لجوازِ القضاءِ معَ عدمِ الغضبِ أو معَ يَسيرِه، فلا بدَّ إذنْ مِن مانعٍ، وليسَ إلَّا ما فُهِمَ مِن مضمونِ النَّصِّ مِن اضطرابِ الفكرةِ لأجلِ الغضبِ، فيَقَعُ الخطأُ، فوَجَبَ إضافةُ النَّهيِ إليه، فلو لم يُعَلَّلِ النَّهيُ عنِ القضاءِ عندَ الغضبِ بكَوْنِه يَتَضَمَّنُ اضطرابَ المَزاجِ، المُقتضي تشويشَ الفكرِ، المُفضِي (٣) إلى الخطأِ في الحُكمِ غالبًا: لكانَ ذِكْرُه لاغيًا.

(٧) (وَمِنْهَا) أي: مِن أنواعِ الإيماءِ: (اقْتِرَانُ الحُكْمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ)


(١) الجمعة: ٩.
(٢) رواه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ».
(٣) في «ع»: المقتضي.

<<  <   >  >>