للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا بُدَّ أنْ يُعلَمَ من الشَّارِعِ التفاتٌ إلى ذلك الوصفِ. ويَظهَرُ ذلك بتقسيمِ المناسبِ؛ لأنَّه إمَّا أن يُعلَمَ أنَّ الشَّرعَ اعتَبَرَه كالقسمِ الأوَّلِ، أو لا يُعلَمَ أنَّه اعتَبَرَه، ولا أَلْغَاه كالمُرسَلِ الملائِمِ، أو يُعلَمَ أنَّه أَلْغاه كالمُرسَلِ المُلْغَى.

والمُعتَبَرُ بنصٍّ أو إجماعٍ يُسَمَّى «مُؤَثِّرًا»؛ لظهورِ التَّأثيرِ فيه عينًا وجنسًا، فظَهَرَ تأثيرُه في الحُكْمِ، والمُعتَبَرُ بتَرتيبِ الحُكمِ على الوصفِ فقطْ إنْ ثَبَتَ بنصٍّ أو إجماعٍ اعتبارُ عينِه في جنسِ الحُكمِ أو بالعكسِ أو جنسِه في جنسِ الحُكمِ، يُسَمَّى «ملائمًا» لكونِه موافقًا لِما اعْتَبَرَه الشَّارِعُ، وإلَّا سُمِّيَ «غريبًا»؛ لأنَّه لم يَشهَدْ له غيرُ أصلِه بالاعتبارِ، وغيرُ المُعتَبَرِ يُسَمَّى «مُرسَلًا»، فإنِ اعتبَرَ الشَّارِعُ جنسَه البعيدَ في جنسِ الحُكْمِ سُمِّيَ «ملائمًا مُرسلًا»، وإلَّا «غريبًا مُرسلًا»، أو «مُرسَلًا ثَبَتَ إلغاؤُه»، والمرادُ باعتبارِ الشَّرعِ: أنْ تُورَدَ الفروعُ على وَفْقِه، لا أنْ يَنُصَّ على العِلَّةِ أو يُومِئَ إليها، وإلَّا لم تَكُنِ العِلِّيَّةُ مُستفادةً بالمناسبةِ.

إذا تَقَرَّرَ هذا، فالقسمُ الأوَّلُ مِن المُعتَبَرِ («مُؤَثِّرٌ» إِنِ اعْتُبِرَ) مِن قِبَلِ الشَّارِعِ (بِنَصٍّ) كتعليلِ الحَدَثِ (١) بمَسِّ الذَّكَرِ، اعتُبِرَ عينُه في عينِ الحُكمِ وهو الحَدَثُ، لحديثِ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (٢)، ومِثْلُه نَفْسُ السُّكرِ عِلَّةُ التَّحريمِ في الخمرِ، اعتُبِرَ عينُه في عينِ الحُكمِ، وهو التَّحريمُ حيثُ حُرِّمَ الخمرُ فلْيَلْحَقْ به النَّبيذُ، (أَوِ) اعْتُبِرَ بـ (إِجْمَاعٍ) كتعليلِ ولايةِ المالِ بالصِّغَرِ، فإِنَّه اعتبِرَ عينُ الصِّغَرِ في عينِ الولايةِ في المالِ بالإجماعِ، والمرادُ بالعينِ: النَّوعُ، لا الشَّخصُ مِن النَّوِع.


(١) في «د»: الحديث.
(٢) رواه أبو داود (١٨١)، والترمذي (٨٢)، والنسائي (٤٤٧)، وابن ماجه (٤٧٩)، وابن حبان (١١١٦) من حديث بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ -رضي الله عنها-.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

<<  <   >  >>