(وَ) أمَّا (لَوْ قَاَل) المُعْتَرِضُ للمُستدلِّ (ابْتِدَاءً: يَلْزَمُكَ) إمَّا (انْتِقَاضُ عِلَّتِكِ، أَوِ) انتقاضُ (دَلِيلِهَا) لأنَّك إنِ اعتقدْتَ وجودَ العِلَّةِ في مَحَلِّ النَّقضِ انْتقضَتْ عِلَّتُك، وإنِ اعتقدْتَ عدمَ العِلَّةِ في مَحَلِّ النَّقضِ انْتقضَ دليلُك؛ (قُبِلَ) منه ذلك؛ لأنَّ هذا دَعوى أحدِ أمرينِ، وكيفَ كانَ فلا تَثْبُتُ العِلَّةُ.
(وَلَوْ مَنَعَ المُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ؛ لَمْ يُمْكِنِ المُعْتَرِضُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ) أي: على ثبوتِ الحكمِ الَّذِي مَنَعَه المُستدلُّ على الأصحِّ. مثالُه: قولُ الشَّافعيِّ في مسألةِ الثَّيِّبِّ الصَّغيرةِ: ثَيِّبٌ فلا تُجبَرُ كالثَّيِّبِ الكبيرةِ، فيَقولُ المُعتَرضُ: يُنتقَضُ بالثَّيِّبِ المجنونةِ، فيَقُولُ المُستدلُّ: لا نُسَلِّمُ إجبارَ الثَّيِّبِ المجنونةِ.
تنبيهٌ: لو قالَ: وليسَ للمُعتَرضِ أنْ يَدُلَّ على ثُبُوتِ العِلَّةِ أو الحُكمِ في صورةِ النَّقضِ لكانَ أَخْصَرَ، لكنَّه تَبِعَ صاحبَ الأصلِ، فلْيُتَأَمَّلْ.
(وَيَكْفِي المُسْتَدِلَّ) إذا نَقَضَ المعترضُ عليه بصورةٍ أنْ يُجِيبَ عن النَّقضِ بالتَّصريحِ بقولِه: (لَا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهَا) كقولِه: لا أُسَلِّمُ أنَّ المسلمَ لا يُقتَلُ بالمعاهَدِ؛ لأنَّ دليلَه على العِلَّةِ صحيحٌ، وهو قولُه: قتلٌ عمدٌ عدوانٌ، فلا يَبْطُلُ بأمرٍ مشكوكٍ فيه، وذلك لأنَّ المُستدلَّ إذا لم يَعرِفِ الرِّوايةَ في صورةِ النَّقضِ احتملَ أنْ يَكُونَ الحُكمُ فيها على وَفْقِ العِلَّةِ، فلا يَرِدُ النَّقضُ، واحتملَ أنْ يَكُونَ على خلافِه فيُرَدُّ، ومَعَ الاحتمالِ فلا يَبطُلُ دليلُه بأمرٍ مُتَرَدَّدٍ فيه.