للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ الطُّوفِيُّ (١): وذلك لأنَّ المُعارضةَ هي المُقَابَلَةُ على جِهَةٍ (٢) والممانعانِ كلُّ واحدٍ مِنهما (٣) مانعٌ لمقصودِ خصمِه مُثبِتٌ لمقصودِه هو، فإذًا للمُعارضةُ جهتانِ:

إحداهما: جهةُ منعِ مقصودِ المُستدلِّ فيَحتاجُ المُعتَرضُ فيها إلى تقديرِ ذلك المنعِ بالدَّليلِ، مثلُ أن يَستدلَّ الحنبليُّ على عدمِ كراهةِ سؤرِ الهرَّةِ بأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يُصغي لها الإناءَ فتشربُ، فيَقُولُ الحنفيُّ: ما ذَكَرْتَ من الدَّليلِ وإنْ دَلَّ غيرَ أنَّ عندي مانعًا يُعارِضُه ويَدُلُّ على كراهةِ سُؤرِ الهِرَّةِ وهو قولُه -عليه السلام-: «الهِرَّةُ سَبُعٌ» (٤)، فعَمِلْتُ بحديثِ الإصغاءِ في الطَّهارةِ، وبهذا الحديثِ في الكراهةِ جمعًا بينَ الحديثينِ في العملِ، فهو أَوْلَى مِن إلغاءِ أحدِهما.

الجهةُ الثَّانيةُ للمُعارضةِ: إثباتُ مطلوبِ المُعْتَرِضِ كما ذُكِرَ مِن إثباتِ كراهةِ سُؤرِ الهِرَّةِ فهو من الجهةِ الأُولى مانعٌ ومِن هذه الجهةِ مستدلٌّ، فبالضَّرورةِ يَحتاجُ المُستدلُّ إلى أن يَنقلبَ مُعترضًا على استدلالِ المعترضِ ليَسْلَمَ له دليلُه، فيعتَرضُ عليه بما أَمْكَنَ مِن الأسئلةِ الواردةِ على النَّصِّ أو القِيَاسِ، فيَقُولُ هاهنا: لا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الحديثِ المذكورِ، سَلَّمْناه، لكنَّ السَّبُعِيَّةَ فيه ليسَتْ حقيقةً بل مجازًا شَبَهِيًّا صُورِيًّا، كما يُقالُ للطَّويلِ: «نخلةٌ» لاشتباهِهما في الطُّولِ، سَلَّمْناه، لكنَّ حديثَنا أصحُّ وأثبتُ، فيُرَجَّحُ، وأشباهُ ذلك مِن الأسئلةِ على النَّصِّ.


(١) «شرح مختصر الروضة» (٣/ ٣٨٢).
(٢) قوله: هي المُقَابَلَةُ على جِهَةٍ. في (ع)، (د): على وجهه. والمثبت من «شرح مختصر الروضة».
(٣) في «د»: منها.
(٤) رواه أحمد (٨٤٥٧).

<<  <   >  >>