للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدِهما يُفَوِّتُ فائدةَ الآخَرِ، قالَ اللهُ تَعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (١) وقِيلَ في التَّفسيرِ: إنَّه (٢) السَّائلُ في العلومِ، وقِيلَ: هو عامٌّ فيها وفي سؤالِ المالِ.

فائدةٌ: اعلَمْ أنَّ الجدلَ لا يَخلو الخصمُ فيه من أنْ يَكُونَ في طبقةِ خصمِه أو أعلى، أو أدونَ، فإنْ كانَ في طبقتِه كانَ قولُه له: الحقُّ في هذا كذا دونَ كذا مِن قِبَلِ كَيْتَ وكَيْتَ، ولأجلِ كذا وعلى الآخَرِ أنْ يَتَحَرَّى له الموازنةَ في الخطابِ، فذلك أسلمُ للقلوبِ وأنقى لشَغلِها عن ترتيبِ النَّظرِ، فإنَّ التَّطفيفَ في الخطابِ يُعمِي القلبَ عن فهمِ السُّؤالِ والجوابِ.

وإنْ كانَ أعلى فلْيَتَحَرَّ ويَجتنبِ القولَ له: هذا خطأٌ، أو: غلطٌ، أو: لَيْسَ كما تَقُولُ، بل يَكُونُ قولُه له (٣): أَرَأَيْتَ إنْ قالَ قائلٌ: يَلْزَمُ على ما ذَكَرْتَ كذا إنِ اعترضَ على ما ذَكَرْتَ معترضٌ بكذا، فإنَّ نفوسَ الكرامِ تَأبى خشونةَ الكلامِ؛ إذ لا عادةَ لهم بذلك، وإذا نَفَرَتِ النُّفوسُ عَمِيَتِ القلوبُ وخَمَدَتِ الخواطرُ، وانْسَدَّتْ أبوابُ الفوائدِ، فحُرِمَ الكلُّ الفوائدَ بسفهِ السَّفيهِ وتقصيرِ الجاهلِ في حقوقِ الصُّدورِ، وقد أَدَّبَ اللهُ تَعَالَى أنبياءَه للرُّؤساءِ مِن أعدائِه، فقالَ لموسى وهارونَ في حقِّ فرعونَ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} (٤) والأدبُ معيارُ العقولِ ومعاملةُ الكرامِ، وسوءُ الأدبِ مُقَطِّعَةٌ للخيرِ ومُدْمِغَةٌ للجاهلِ، فلا تَتَأَخَّرُ إهانتُه، ولو لم يَكُنْ إلَّا هجرانُه وحرمانُه.

وأمَّا الأدونُ فيُكَلَّمُ بكلامِ اللُّطفِ والتَّفهيمِ، إلَّا أنَّه يَجُوزُ أنْ يُقالَ له إذا أتى بالخطأِ: هذا خطأٌ، وهذا غلطٌ مِن قِبَلِ كذا؛ ليَذُوقَ مَرارَةَ سُلوكِ الخطأِ، فيَجتَنِبَه، وحلاوةَ الصَّوابِ فيَتَّبِعَه. ورياضةُ هذا واجبةٌ على العلماءِ وتَركُه


(١) الضحى: ١٠.
(٢) في «ع»: إن.
(٣) ليس في «د».
(٤) طه: ٤٤.

<<  <   >  >>