للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لباقي الجزئيَّاتِ المُسْتَقْرَأَةِ، ويَختلفُ فيه الظَّنُّ باختلافِ الجزئيَّاتِ، فكُلَّما كانَ الاستقراءُ في أكثرَ، كانَ أقوى ظنًّا. ومَثَّلَه ابنُ مُفْلِحٍ (١) وغيرُه بقولِهم: الوترُ يُفعَلُ راكبًا، فلَيْسَ واجبًا لاستقراءِ الواجباتِ الأداءِ والقضاءِ مِن الصَّلواتِ الخمسِ، فلم نَرَ شيئًا منها يُفعَلُ راكبًا، والدَّليلُ على أنَّه يُفِيدُ الظَّنَّ: أنَّا إذا وَجَدْنا صورًا كثيرةً داخلةً تحتَ فرعٍ، واشْتَرَكَتْ في حُكمٍ أَفادَتْنا تلك الكثرةُ قطعًا ظَنَّ الحُكمِ بعدمِ الأداءِ على الرَّاحلةِ في مِثالِنا هذا مِن صفاتِ ذلك النَّوعِ، وهو الصَّلَاةُ الواجبةُ، وإنْ كانَ مُفيدًا للظَّنِّ كانَ العملُ به واجبًا ومِن شواهدِ وجوبِ العملِ بالظَّنِّ قولُ المَقضِيِّ عليه: قَضَيْتَ عليَّ والحقُّ لي. فقالَ -عليه السلام-: «إِنَّمَا نَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» (٢).

(وَكُلٌّ) مِن نَوْعَيِ الاستقراءِ (حُجَّةٌ) الأوَّلُ بالاتِّفاقِ، والثَّاني عندَ الأكثرِ.

تنبيهٌ: قالَ في «شرح الأصل»: يَنْشَأُ ممَّا قَرَّرْناه في الاستقراءِ أنَّ القِيَاساتِ المَنطقيَّةَ تَدُورُ على ذلك، فإنَّا إذا قُلْنا: العالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وكلُّ مُتَغَيِّرٌ حادثٌ، فيَكُونُ العالمُ مُتَغَيِّرًا، إِنَّمَا عُلِمَ بالاستقراءِ التَّامِّ، ولذلك أفادَ القطعَ واليقينَ، وإذا قُلْنا: الوضوءُ (٣) وسيلةٌ للعبادةِ، وكلُّ ما هو وسيلةٌ للعبادةِ عبادةٌ، إِنَّمَا أَثْبَتْنا المُقدِّمَةَ الثَّانيةَ بالاستقراءِ وهو ظَنِّيٌّ؛ لأنَّه مِن أكثرِ الجُزئيَّاتِ (٤).

(وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ) غيرَ الخلفاءِ (عَلَى) صَحَابِيٍّ (مِثْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (٥)


(١) «أصول الفقه» (٤/ ١٤٥٠).
(٢) قال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (٣٥٩٨): لم أجد له أصلًا، وكذا قال المزي لما سئل عنه.
(٣) في «ع»: الوصف.
(٤) «التحبير شرح التحرير» (٨/ ٣٧٩٥).
(٥) في «مختصر التحرير» (ص ٢٥٢): حجة.

<<  <   >  >>