للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنَّ الأصلَ عدمُ ذلك الشَّيءِ، فلا يُصارُ إلى جَعلِه مُعتبرًا إلَّا بواسطةِ ترجيحٍ المُتردَّدِ فيه بقصدِ أنْ يُخالِفَ الأصلَ (١).

وقيلَ: هي قاعدةٌ برأسِها، ودليلُها حديثُ عمرَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (٢)، ورُبَّما أُخِذَتْ مِن قولِه تَعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٣).

ومِن هذه المادَّةِ أحاديثُ كثيرةٌ ذُكِرَ فيها «تَبتغي وجهَ اللهِ»، وحديثُ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (٤) أَعَمُّها وأَعظَمُها؛ لأنَّ أفعالَ العقلاءِ إذا كانَتْ معتبرةً فإِنَّما تَكُونُ عن قصدٍ، وأيضًا فقد ذَهَبَ كثيرٌ مِن العلماءِ إلى أنَّ الواجباتِ على المُكَلَّفِ القصدُ إلى النَّظرِ المُوصِلِ إلى مَعرفةِ اللهِ تَعالى، فالقصدُ سابقٌ دائمًا، وسواءٌ في اعتبارِ القصدِ في الأفعالِ المُسلِمُ والكافرُ، إلَّا أنَّ المسلمَ يَختَصُّ بقصدِ التَّقرُّبِ إلى اللهِ تَعالى، فلا تَصِحُّ هذه النِّيَّةُ مِن كافرٍ، بخلافِ نِيَّةِ الاستثناءِ، والنِّيَّةِ في الكناياتِ ونحوِ ذلك.

(وَ) مِن القواعدِ (جَعْلُ المَعْدُومِ كَالمَوْجُودِ احْتِيَاطًا) كالمقتولِ تُورَثُ عنه الدِّيَةُ، وإنَّما تَجِبُ بموتِه ولا تُورَثُ عنه إلَّا إذا دَخَلَتْ في مِلكِه، فيُقَدَّرُ دُخولُها قبلَ موتِه، واللهُ أعلمُ.

وقد نَجَزَ بحمدِ اللهِ -سبحانه وتعالى- الكلامُ على الأدلَّةِ، وهذا حينُ الشُّروعِ في بيانِ أحكامِ المستدلِّ، وما يَتَعَلَّقُ به مِن بيانِ الاجتهادِ والمجتهدِ، والتَّقليدِ والمقلِّدِ، ومسائلِ ذلك، وذَكَرَ ذلك بقولِه:


(١) «الفوائد السنية في شرح الألفية» (٥/ ٢٢٣).
(٢) رواه البخاري (١) من حديث عمر -رضي الله عنه-.
(٣) البينة: ٥.
(٤) رواه البخاري (١) من حديث عمر -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>