وذلك أنَّ أهلَ المدينةِ لَمَّا كانوا أهلَ نخلٍ وزرعٍ اعتُبِرَتْ عادتُهم في مِقدارِ الكيلِ، وأهلُ مَكَّةَ أهلُ تجارةٍ اعتُبِرَتْ عادتُهم في الوزنِ، والمرادُ اعتبارُ ذلك فيما يَتَقَدَّرُ شرعًا كنُصُبِ الزَّكواتِ، ومقدارِ الدِّياتِ، وزكاةِ الفطرِ، والسَّلَمِ، والرِّبا، وغيرِ ذلك.
ومِن ذلك الرُّجوعُ للعادةِ في تخصيصِ عينٍ أو فعلٍ أو مقدارٍ يُحمَلُ اللَّفظُ عليه كالألفاظِ في الأيمانِ والأوقافِ والوصايا والأقاريرِ والتَّفويضاتِ.
وإطلاقُ الدِّينارِ والدِّرهمِ والصَّاعِ والمُدِّ والوسقِ والقُلَّةِ (١) والأوقيَّةِ، وإطلاقُهم النُّقودَ في الحملِ على الغالبِ وصِحَّةِ المعاطاةِ بما يَعُدُّه النَّاسُ بيعًا، وهذا كثيرٌ لا يَنحصِرُ في عَدٍّ.
ومأخذُ هذه القاعدةِ ومَوْضِعُها مِن أصولِ الفقهِ في قولِهم: الوصفُ المُعَلَّلُ به قد يَكُونُ عُرفيًّا أي: مِن مُقتضياتِ العرفِ، وفي بابِ التَّخصيصِ في تخصيصِ العمومِ بالعادةِ.
تنبيهٌ: قِيلَ: تَدخُلُ قاعدةُ إرادةِ الأمورِ في الأحكامِ على قَصدِها في هذه القاعدةِ، فهي مأخوذةٌ مِنها، قالوا: لأنَّ العادةَ حاكمةٌ، فإنَّ غيرَ المَنْوِيِّ مِن غُسلٍ وصلاةٍ وكتابةٍ مَثلًا لا يُسَمَّى في العادةِ غُسلًا ولا قُربَةً ولا عَقدًا. وقِيلَ: مأخوذةٌ مِن قاعدةِ الضَّررُ يُزالُ؛ لأنَّ مَن تَوَجَّه عليه شيءٌ بدليلٍ إذا تَرَكَه أو فَعَلَه لا بقصدِ امتثالِ الأمرِ حَصَلَ له الضَّررُ بما يَتَرَتَّبُ عليه مِن الذَّمِّ، فيُزالُ بالنِّيَّةِ.
وقالَ البِرْمَاوِيُّ: لو أُخِذَتْ مِن قاعدةِ «اليقينُ لا يُرفَعُ بالشَّكِّ» كانَ أقربَ؛