للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القولُ بهما محالٌ لاستلزامِهما التَّضادَّ الكُلِّيَّ أو الجزئيَّ، وإن لم (١) يَعلَمِ الفاسدَ منهما فلَيْسَ عالمًا بحُكْمِ المسألةِ، فلا قولَ له فيها، فيَلْزَمُه التَّوقُّفُ أو التَّخييرُ، وهو قولٌ واحدٌ لا قولانِ.

فائدةٌ: مثالُ التَّضادِّ الكُلِّيِّ والجزئيِّ (٢) أنَّ عندَ أحمدَ في إخراجِ الزَّكاةِ عن بلدِها إلى مسافةِ القصرِ (٢) ثلاثةُ أقوالٍ: النَّفيُ، والإثباتُ، والثَّالثُ يَجُوزُ إلى الثُّغُورِ دونَ غيرِها، فلو فَرَضْنا أنَّه قالَ في هذه المسألةِ: «يجوزُ»، و: «لا يَجُوزُ» في وقتٍ واحدٍ، لكانَ هذا تضادًّا كُلِّيًّا، بمَعنى أنَّ التَّضادَّ الكُلِّيَّ في جميعِ أفرادِ الزَّكاةِ وأماكنِ أفرادِها قابَلَ المَنْعَ الكُلِّيَّ في ذلك. ولو قالَ: «لا يَجُوزُ» و «يَجُوزُ إلى الثُّغورِ خاصَّةً» لكانَ هذا تضادًّا جُزئيًّا بمَعنى أنَّ المنعَ الكُلِّيَّ في جميعِ أفرادِ الزَّكاةِ قابلَ الجوازَ الجزئيَّ في بعضِ أفرادِ الزَّكاةِ بالإضافةِ إلى بعضِ أماكنِ إخراجِها وهي الثُّغورُ.

ثمَّ إذا أَطلَقَ المجتهدُ قولَينِ في وقتَينِ لا يَخلُو إمَّا أن يُعلَمَ السَّابقُ منهما أو لا، (فَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا؛ فَالثَّانِي) أي: المتأخِّرُ منهما (مَذْهَبُهُ) على الصَّحيحِ دونَ الأوَّلِ، فلا يَجُوزُ بعدَ رُجوعِه عنه أنْ يُفتَى به، ولا يُقَلَّدُ فيه ولا يُعَدُّ مِن الشَّريعةِ، (وَهُوَ نَاسِخٌ) لِقَوْلِهِ الأَوَّلِ عندَ الأكثرِ أي كالنَّاسخِ والمنسوخِ في كلامِ الشَّارِعِ، ويَبقى العملُ على النَّاسخِ للأوَّلِ المتأخِّرِ ويُترَكُ المنسوخُ المُتقدِّمُ مِن جهةِ العملِ به؛ لأنَّ نصوصَ الأئمَّةِ بالإضافةِ إلى مُقَلِّدِيهم كنصوصِ الشَّارِعِ بالإضافةِ إلى الأئمَّةِ.

تنبيهٌ: هذا كلُّه إذا لم يُمكِنِ الجمعُ بينَ القولينِ، فإنْ أَمْكَنَ ولو بحملِ


(١) ليس في «ع».
(٢) ليس في «د».

<<  <   >  >>