للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بكى هناك لوعة على أعجوبة الدهور البالية، أو هو منظر الدرجات التي وضعتها يد الألماني هنالك حديثاً غشى بصره وأسال دموعه.

عند مدخل هذا الهيكل الذي لم يكتشف علماء الآثار له من مثيل، هذا الهيكل الذي ألقت أساساته المخيفة في طبقات الأرض شعوب شرقية تلاشت وتركت لنا في ذكرها شيئاً من

روحها الكبيرة ومطالبها السامية، أتى الأجنبي ووضع درجات أجنبية موصلة إلى معابد آلهة الشرق القديم. عند هذا المشهد شعرت بغصة أضاقت صدري كأن هذه الحجارة بجملتها ثقلت على فؤادي، لأنها دليل تداخل الغربي في قديمنا وجديدنا، وعنوان طمعه في الاستيلاء على بلادنا وجبالها وآثارها. وكان الأولى بالألماني أن يتركنا نبكي بسلام تراب هياكلنا الغالي دون أن تأتي يده الضخمة عاملة في ترميم مداخل المعابد، مدنسة ما قدسته دهور البلايا وعززته بلايا الدهور!

دخلت أمشي الهوينا بين كوم الأبنية وبقايا الخرب وحولي الأعمدة المطروحة على الحضيض، كأنها جبابرة وعمالقة، يلامس بعضها بعضاً، ورؤوس الأسود المهشمة تتعانق عناقاً أبدياً. وآثار شعب سابق تختلط بآثار شعب لاحق. وتراب يتراكم فوق الأفاريز المرضضة والنقوش المحفرة. مشيت في عالم من العجائب الفنية وأنا لا أدري كيف قدر الإنسان على إيجاد هذه الجمالات، وأتعجب كيف سطا الزمان عليها فهدمها وجعلها أشبه شيء بغابة هاجمتها العواصف فكسرت منها الأشجار واقتلعت منها الأصول وغادرتها تاركة بعض أغصانها ملقاة على حضيض الهوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>