أين من هذه العظمة قصور عصرنا! فإنها تخال ألغاباً صبيانية شيدت في أوقات فراغ ولهو، فيها الحصا تقوم مقام الحجارة، والأشبار فيها توازي الأميال.
لقد تألبت أعظم شعوب الأرض على هذا الحصن الحصين مهاجمة جدران مجده. فالعرب والرومان ثم العرب ثانية قد خربوا بعض هياكله الفسيحة، وشيد المسيحيون كنيسة على قوائم معابد الأصنام، ثم أصبحت الكنيسة والمعابد حصناً حتى أتت الزلازل مدهورة جدرانه، محطمة عظمته بعد أن هشمتها وأهانتها في وقوفها وارتفاعها يد الإنسان!
لكن آثار المجد لا تزال كامنة في أخربة بعلبك. والروح العصرية تقف مترددة بين السخرية والاحترام عندما ترى أن هذه الهياكل شيدت من أجل آلهة خيالية تضحكنا الآن أسماؤها. وتهبط على القلب تأثيرها متعددة متضادة من خوف وإعجاب وحزن وشفقة وغضب لكن هذه تتلاشى بكليتها وتقوم مقامها عاطفة واحدة تستغرق سائر العواطف، وتضم في قوتها قوى النفس جمعاء، وهي الشعور بعمق السر العظيم، سر الأكوان غير المتناهي.
وهناك على ارتفاع هيكل الشمس تقف ستة أعمدة حاملة إفريزاً كأنه تاج مكسر، ورؤوسها تنحني على وهدة الذل المطروح في أعماق عزها المفتت، وانحناء هذه الأعمدة هو بكاء وتأبين، بل هو التأبين الوحيد الذي يليق بقلعة بعلبك.
على أن ثلوج لبنان تنظر من أعاليها إلى حزن الجماد الدهري وتود